قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] ، في الآية أيضاً: أن الضيف يكرم بأفضل ما عندك، لأن إبراهيم صلى الله عليه وسلم جاء بعجل سمين، فلم يأت بعجل هزيل ولا بعجل نحيف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حاثاً على إكرام الضيف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الضيافة ثلاثة أيام جائزته يوم وليلة) ، أي: يبالغ في إكرام الضيف في اليوم الأول والليلة الأولى ويتحفه بما يستطيع من إتحاف، أما سائر الأيام فكسائر طعامك وشرابك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل نزل بقوم فلم يقروه فحق له أن يأخذ منهم بقدر قراه) أي: بقدر ضيافته، ولا يخفى عليكم أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أوصى ولده إسماعيل أن يغير عتبة بابه، -يطلق امرأته-، ومن أسباب هذا التغيير، عدم احتفائها بالأضياف وعدم إكرامهم للأضياف، وقد ورد عن الخليل صلى الله عليه وسلم: أنه أول من أضاف الأضياف، وبالغ في إكرامهم وتأسيس أصول ضيافتهم، وهذا حفيده يوسف صلى الله عليه وسلم يقول لإخوته: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59] ، أي: وأنا خير من أنزل الأضياف منازلهم وخير من أكرم الأضياف.
وها هو لوط عليه السلام يقف مغتماً مهتماً لما سيصيب الأضياف من مكروه، بل ويفديهم ببناته ويقول لقومه: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر:71] ويقول أيضاً: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78] ، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم، يسأله سائل فيقول: (يا رسول الله!! إنا ننزل بأقوام فلا يقدمون لنا ما ينبغي للضيف، فقال: إذا نزلتم بقوم فلم يقدموا لكم ما ينبغي للضيف فخذوا منهم بقدر قراكم) ، أي: بقدر ضيافتكم، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
بل إن من العلماء من وضع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) في كتاب المظالم اعتقاداً، إلى أن الشخص الذي لا يكرم ضيفه قد يكون ظالماً، لأنه بخس الضيف حقه.