لم تبن المساجد للسباب ولا للشتائم، ولم تبن المساجد للجدل، صحيح أنه يجوز فيها بعض الأمور التي ورد الدليل بجوازها، كالتقاضي في المسجد جائز، فهذا كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه، وارتفعت أصواتهما في المسجد، فخرج إليهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا كعب! ضع من دينك هكذا، قال: فعلت يا رسول الله! وقال لـ ابن أبي حدرد: قم فاقضه) ، وبوب له العلماء بباب التقاضي والملازمة في المسجد.
وكذلك يجوز ربط الأسير في المسجد، ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد، فلا يجوز إلا ما جاء فيه الدليل، والله أعلم.
{أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36] وقد جاء الحث على ذكر الله بعد الصلاة وقبل الصلاة وفي الصلاة، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ} [النور:36] قال أكثر العلماء: التسبيح يطلق على الصلاة؛ وذلك لقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] ، والمراد بها: صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنه قولهم: سبحة الضحى، وقول ابن عمر: لو كنت مسبحاً -أي: مصلياً النافلة- لأتممت الفريضة في هذا السفر.
فقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} [النور:36] أي: يصلي له فيها، ولا يمتنع أن يدخل فيها التسبيح المعهود كذلك، {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور:36] بالغدو أي: في الصباح، الآصال جمع أصيل وهو قُبيل الغروب على الراجح من أقوال العلماء، فمن العلماء من قال: صلاة العصر، وعلى هذا الأكثرون، ومنهم من قال: الآصال الظهر مع العصر، ومنهم من قال: الآصال العشي؛ لما في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] ، وهنا: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور:36] (بالغدو) هو الغداة، فمن العلماء من حملها على العشي، فالعشي عندهم المغرب والعشاء.