قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [النور:31] الخمر: جمع خمار وهو ما تتغطى به المرأة، فقد تخمر المرأة رأسها فيكون الخمار هو ما خمر الرأس أي: غطاه، فالخمار الشيء الذي يغطي، قالت أم المؤمنين عائشة: (فلما رأيت صفوان بن المعطل خمرت وجهي بجلبابي) أي: غطيت وجهي بجلبابي.
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [النور:31] الضرب: من معانيه التغطية، ومنه قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف:5] أي: أفنهمل ذكركم؟ ومنه قول الرجل لولده: اضرب على هذا الحديث يعني: امحه، وقوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:11] فقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ} [النور:31] أي: وليغطين.
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] والجيب: فتحة الصدر التي يدخل منها الشخص رأسه وهو يلبس الثوب، ومنه قول الله سبحانه وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل:12] فهو فتحة الصدر، فقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] أي: يغطين بخمرهن على فتحات صدورهن.
أما الدليل على تغطية الوجه فهو المقطع الأول للآية: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] قال الإمام أحمد رحمه الله كما نقل عنه القاضي أبو يعلى: المرأة كلها عورة حتى ظفرها، لا يحل لها أن يظهر منها شيء حتى الظفر.
هذا رأي الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] .
من العلماء من فصل في مسألة الزينة وقسمها تقسيماً حاصله: أن الزينة منها ما هو خلقي -يعني من أصل الخلقة- ومنها ما هو مكتسب، فالمكتسب: كالكحل وأنواع المكياج الذي تتزين به المرأة ونحو ذلك، والخلقي: ما كان من أصل خلقتها، فمن العلماء من قال: إن الزينة هنا الزينة الخلقية، ومنهم من عمم، وسيأتي.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] البعل: هو الزوج، كما قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:128] فالبعل: الزوج.
وقوله تعالى: {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] .
من العلماء من سلك هنا مسلك النظر وقال: إن الزينة التي تظهر من المرأة تختلف من محرم إلى محرم آخر، ولم يكن هناك نص يحدد ذلك، لكن الزينة التي يراها البعل من امرأته أوسع من الزينة التي يراها أبوها منها إجماعاً، فللزوج أن يرى من امرأته كل شيء، أما أبوها فلا يحل له أن يرى مثلاً عورتها المغلظة، وكذلك أشياء من الأجزاء في جسدها لا يراها الأب.
كذلك قال العلماء: إذا كانت هناك امرأة متزوجة برجل له أولاد من امرأة أخرى فهم محارم لامرأة أبيهم، لكن لا يرون منها القدر الذي يراه أبواها منها، فأبو المرأة محرم وابن زوجها محرم، لكن أبوها يرى منها أكثر مما يرى منها ابن زوجها، وليس على هذا نص صريح من الكتاب والسنة، ولكنه مبني على مسألة المفاسد، والله أعلم، فالمفسدة من ابن الزوج أعظم، وهي من الأب أخف، لأن الأب لا يفكر في الاعتداء على ابنته، لأنها عرضه، أما ابن الزوج فقد يتجرأ على امرأة أبيه، وكلاهما محرم، لكن الشر المتوقع من ابن الزوج أعظم من الشر المتوقع من الأب في الغالب، فهذا وجه تفصيل من فصل، ومبناه على النظر الصحيح عنده، والله تعالى أعلم.