{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109] أفادت الآية الكريمة أن الأنبياء الذين أوحي إليهم كانوا من أهل القرى، والمراد بالقرى هنا: هي البيوت المستقرة، فالبيوت المستقرة يقال عنها: القرى، سواء كانت في اصطلاحاتنا مدنناً أو قرى، فإن مكة قال الله في شأنها: {وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام:92] ، فالمراد بالقرى -والله أعلم بمراده- هي القرى المستقرة، أما البدو الرحل الذين لا يكادون يسكنون أماكن يستوطنونها فلم تكن منهم رسالات، كما قال تعالى: {إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} فإن قال قائل: لم ذاك؟ ف
صلى الله عليه وسلم أن الأعراب كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في الجملة: أشد كفراً ونفاقاً، أشد كفراً فمن؟ وأشد نفاقاً فمن؟ قال فريق من المفسرين: أشد كفراً من كفر أهل المدينة، وأشد نفاقاً من نفاق أهل المدينة، لكن الكفار والمنافقين من الأعراب ينضم إلى كفرهم ونفاقهم جهل شديد وغباء، فاجتمع مع الكفر والنفاق جهل وغباء وقسوة في القلوب، كما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم) ، وكما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام -فيما حسنه بعض العلماء-: (من سكن البادية جفا) .
فلذلك يقول العلماء -على سبيل الشيء العارض-: إن النصراني الذي يساكن المسلمين في بلادهم يستحي من الزنا ويستحي إذا قيل له: إن ابنتك زنت، لكن النصراني الذي يساكن الملاحدة في روسيا لا يستحي من ذلك ولا يبالي به، ولا يهتم له.
قال الله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف:109] ، كما قال تعالى: {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران:137] ، أهلكهم الله، أمم دمرها الله، أمم محاها الله، كما قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:52] ، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يوسف:109] ، أي: أفلا تفهمون!