الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فلما ذكر الله سبحانه وتعالى الإعراض عن الآيات التي في السماوات والأرض، ذكر ذلك في معرض ذم لقوم من المشركين، فكان من اللائق بنا أن نتدبر الآيات التي في السماوات والأرض، وكما قال قائل من أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يستدل على وحدانيته بأمور منها: النظر في السماوات والأرض، وبصفة عامة: النظر في مخلوقاته سبحانه وتعالى والتأمل فيها.
كما يستدل كذلك على وحدانيته بأسمائه وصفاته، فعلى سبيل المثال: إذا عرفت أن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب، وأمعنت النظر في سرعة الحساب، وكيف يتم حساب الخلق جميعاً يوم القيامة، حتى إنه -كما سمعت- يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، فاستدلل بذلك على وحدانية الله سبحانه، كيف ذلك؟ إنك إذا كنت محاسباً في شركة من الشركات قد تعجز؛ بل قد تعجز إذا عهد إليك وحدك بعمل هذه الشركة الكبيرة، فما ظنك برب العالمين، الذي يحاسب الخلق كلهم إنسهم وجنهم، وطيرهم ودوابهم، يحاسب الخلق جميعاً، وكذلك يعلم المستكن في الصدور، فإذا عرفت ذلك ظهر لك شيء من قدرة الله سبحانه وتعالى.
فيستدل على قدرته ووحدانيته سبحانه بأسمائه وصفاته، وكذلك بشرعه الذي شرع، وحدوده التي حد، فحينئذ يجدر بالمسلم أن يتأمل ويتدبر في نفسه وفيما حوله من الآيات، قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] .