ثم إن نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام لما رأى الشمل قد اجتمع، ورأى الملك قد اجتمع له، وأقر الله عينه بأبويه وبإخوته وبأهل بيته جميعاً؛ استشعر الآخرة والموت، ففي الغالب أن النعم إذا اكتملت يوشك الشخص أن يفارقها، فلما قال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] ، ما لبث النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بعدها بثلاثة وستين يوماً، ولما نزل عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1-3] ، استشعر الموت، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه السورة الكريمة نعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أجله.
أي: أخبرته أنك يا محمد قد اقترب أجلك فاستغفر الله فالأجل قد اقترب، ونوح لما أغرق الله قومه وأقر الله عينه بالانتصار من الظالم قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:28] .
فلما اجتمع ليوسف عليه السلام الأمر وأقر الله عينه بوالديه وبإخوته وبأهل بيته أجمعين، وبالملك وبالعلم وبالنبوة، سأل الله سؤالاً دائماً يسأله أهل الصلاح من ربنا سأل الله حسن الختام، والوفاة على الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام مقولة الصالحين: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف:101] ، اعتراف من يوسف لربه بفضل الله عليه، ليس تكبراً ولا تجبراً؛ بل يرد الأمر إلى نصابه والحق إلى الله سبحانه، {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يوسف:101] أي: يا فاطر السماوات والأرض، يا خالق السماوات والأرض على غير مثال سابق، {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [يوسف:101] ، تولني يا رب بحفظك وبكرمك وبرعياتك وبفضلك، {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [يوسف:101] ، كما أنعمت عليَّ في الدنيا أنعم علي في الآخرة كما توليتني في الدنيا فتولني في الآخرة كما رحمتني في الدنيا ارحمني في الآخرة، {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف:101] ، أي: توفني على الإسلام إذا توفيتني يا رب، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101] ، أي: لا تدخلني في عداد المجرمين يا رب، بل أدخلني في عداد الصالحين.
وقد قالها سليمان عليه الصلاة والسلام لما تكلمت النملة له ففهم كلامها بإذن الله: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19] ، وكما قالها المذكور الصالح في سورة الأحقاف، الذي بلغ أشده وبلغ أربعين سنة فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15] ، هكذا فليختم أهل الصلاح حياتهم بالاستغفار كما ختمها رسولنا وهو في مرض موته إذ كان يقول: (اللهم اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى) ، فليتبرأ الشخص من أصدقاء السوء، وليطلب من الله أن يحشر في عداد الصالحين والطيبين، ليطلب من الله أن يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً هكذا طلب يوسف حسن الختام من ربه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف:101] ، ليس مني يا رب بل منك الفضل كله.