{يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] ، فهكذا لا ينقطع رجاء الأنبياء والصالحين في الله أبداً، فاليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله كبيرة من الكبائر، سطرها الذين صنفوا في الكبائر في كتبهم، مستدلين بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] ، وبقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] .
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا} [يوسف:88] ، وانظر إلى هذه الذلة والمهانة والانكسار، وانظر كيف يرفع الله سبحانه وتعالى المظلوم وكيف يخفض الظالم! انظر إلى هذه الذلة والانكسار في قول إخوة يوسف الذين ظلموه يوماً ما، انظر إليهم وقد قالوا له: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف:88] ، أي: في الأبدان، أولادنا مرضوا، وآباؤنا تعبوا وأصيبوا بالعمى، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف:88] ، ونحن فقراء، فالبضاعة التي أتينا بها قليلة لا تستحق أن نعطى من أجلها طعاماً وزاداً، ولكن نرجو كرمك بعد كرم الله، و (مزجاة) أي: قليلة، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} [النور:43] ، أي: يسوقه سوقاً قليلاً قليلاً ضعيفاً ضعيفاً حتى يضم بعضه إلى بعض، {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف:88] ، هكذا يتسول الظالم من المظلوم، قال إخوة يوسف ليوسف: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88] .