حقيقة المضارة في قوله تعالى: (أو دين غير مضار)

{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:12] .

قوله تعالى: ((غَيْرَ مُضَارٍّ)) : يشمل كل أنواع الضرر، فكل أنواع الضرر ينبغي أن تجتنب، كقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] ، أي: لا ضرر على الكاتب ولا على الشهيد.

وهناك معنىً آخر قال به بعض العلماء في قوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] وهو: أن ترغم الشاهد أو الكاتب على الحضور في وقت لا يستطيع الواحد منهما أن يحضر، فيعتبر هذا من المضارة، وذلك في الكتابة والشهادة في الوصية وفي الديون، {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] .

فتبين أن فيها وجهين: الأول: بمعنى: لا يؤذى الكاتب ولا يؤذى الشاهد، لا يؤذى الكاتب كأن تهدده وتقول له: إذا شهدت أن هذا خطك سأفعل بك كذا، ولا يؤذى الشاهد، كأن تهدده أيضاً وتقول له: لو شهدت على كذا لفعلت بك كذا.

ثانيهما: لا تأت إليهما في وقت الراحة مثلاً وتقول: هيا تعال اشهد معي.

فيقول لك: أنا لا أستطيع الآن، فتقول: لازم، فهذا نوع من أنواع المضارة بالكاتب والشهيد.

وعلى الكاتب والشهيد أيضاً أن لا يضارا الدائنَ والمدينَ، بمعنى: أن الشاهد قد يشهد زوراً فيضر أحد الطرفين، أو الكاتب يكتب ما لا يُملى عليه فيضر أحد الطرفين.

فكلمة: (يُضارَّ) جمعت المعنيين، لا يضار هذا ولا يضار هذا، فلا يضار الكاتبُ والشهيدُ الدائنَ والمدينَ، ولا يضار الدائنُ والمدينُ الكاتبَ ولا الشهيدَ.

هنا قول تعالى: ((غَيْرَ مُضَارٍّ)) : تشمل إبعاد كل أنواع الضرر التي تلحق بالمحتضر، أو بالورثة أو بأي صنف من الأصناف التي تشترك في التركة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015