مشروعية الأخذ بالأسباب

عُلمنا من نبي الله يعقوب هدياً في هذا الصدد: {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:67] ، وهذا من باب الأخذ بالأسباب، وإلا فالمقدر سيكون، فقد أمرنا بالأخذ بالأسباب كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:71] ، وكما قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] .

وكما مر عمر مع صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بأرض بها الطاعون فاستشار عمر أصحابه: أندخل الأرض التي بها الطاعون أم لا ندخل؟ فبعضهم قال: ندخل ونتوكل على الله، وبعضهم قال: لا ندخل ونحن أيضاً متوكلون على الله، فأخرجهم عمر وقال: أدخلوا علي مشايخ المهاجرين والأنصار، ثم استشارهم: أندخل القرية التي بها الطاعون أم لا ندخل؟ فقالوا: لا ندخل يا أمير المؤمنين! فأخذ عمر الجيش وانصرف إلى مكان آخر، فإذا بصائح يصيح ومناد ينادي قائلاً: أفراراً من قدر الله يا ابن الخطاب! فسكت عمر ونظر، فإذا القائل أمين هذه الأمة: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فتعجب عمر المسدد الملهم وقال: لو قالها غيرها يا أبا عبيدة! أي ما كانت هذه الكلمة تصدر منك يا أبا عبيدة، ثم قال: يا أبا عبيدة! أرأيت إذا نزلت بأرض خصبة وأرض أخرى جدباء في أيها ترتع إبلك وبعيرك أو غنمك؟ قال: في الأرض الخضراء، قال: إنك إن رعيتها في الأرض الجدباء رعيتها بقدر الله، وإن رعيتها في الخضراء رعيتها بقدر الله، ثم بينما هم على ذلك إذ جاء رجل من بعيد يسرع، وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: عندي في هذا والله خبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فاستبشروا إذ سمعوا الخبر عن رسولهم محمد عليه الصلاة والسلام، قالوا: هات! قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا وقع بأرض ولستم فيها فلا تدخلوها) ، فكبر عمر وحمد الله على ما وفق به؛ فالأخذ بالأسباب لا يخدش في التوكل على الله.

قال يعقوب: {يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف:67] ، أي: إذا كان الله أمر فأمر الله نافذ وإن أخذنا بالأسباب، فأمر الله سبحانه نافذ رغماً عنا، لكنها أسباب أمرنا بالتماسها، وأمر الله فوق كل أمر: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ، فنأخذ بالأسباب ونعتقد اعتقاداً جازماً أن أمر الله نافذ.

{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:67] ، الأمر والقضاء لله، يقضي كيف يشاء، يفعل ما يريد، يحكم كيف يريد سبحانه، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف:67] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015