يبين ربنا سبحانه فتنة تعرض لها يوسف عليه الصلاة والسلام، وحذرنا منها نبينا عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن لابد أن يبتلى في الدنيا، فقد يبتلى بضراء في بلد، وقد يبتلى بالسراء، أو بإغواء الغواة، أو بفتنة الفاتنين والمضلين، أو بمال، أو بمرض، أو بولد سيئ، أو بامرأة سليطة اللسان.
أو تبتلى امرأة بزوج شرير مفسد.
فالابتلاءات تتنوع، ويوسف عليه السلام ما لبث أن خرج من فتنة البئر ومن فتنة حسد إخوته له، ودخل قصر العزيز ينعم فيه بنعيم الدنيا من مطعم ومشرب وملاذ، لكن جاءته فتنة شديدة لا يصبر عليها إلا الصابرون، ولا يتقيها إلا المخلصون المحسنون إنها فتنة النساء.
فتنة عظمى ابتلي بها يوسف صلى الله عليه وسلم، فقد أحبته امرأة العزيز حباً شديداً فوق كل حب، إذ أوتي شطر الحسن، وبشهادة النسوة: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] ، هكذا وصفه النسوة، ووصف نبينا أدق: (أوتي يوسف شطر الحسن صلى الله عليه وسلم) .
فابتلي يوسف من وراء هذا الجمال بابتلاء: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:23] ، والمراودة هي المطالبة برفق ولين، وأحياناً تكون أشد وقعاً وتأثيراً من المطالبة بالعنف والشدة، أما العنيف فإنه يقذف الكراهية في قلب من يطلب منه الشيء؛ فالمراودة هي المطالبة بالرفق واللين.
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:23] ، ولم يذكر اسمها صيانة لعرضها، وفي التعبير بقوله تعالى: (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) بيان أنه كان يفترض فيها أنه عبد عندها وعند زوجها وأن عليها أن تراقب الله فيه.
وقد نال يوسف حظاً كريماً من قول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله) ، وقد نال يوسف عليه السلام قسطاً عظيماً من هذا الحديث النبوي الكريم.