قال الله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} [يوسف:17] ، فيه أيضاً مشروعية توكيل شخص بحفظ المتاع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل) .
{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف:17] ، من العلماء من قال: لا يستحب لشخص أن يلقن شخصاً أموراً قد يحتج بها عليه، فإن فريقاً من أهل العلم ذكر أن إخوة يوسف لم يكونوا يضمروا بأن الذئب قد أكل أخاهم، ولكنهم ذكروا بقول أبيهم: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف:13] ، فلا ينبغي أن يلقن شخص، فإن قال قائل: قد صدرت من يعقوب عليه السلام وهو نبي؟ فالجواب عن ذلك: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
قالوا: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف:17] ، أي: وما أنت بمصدق لنا، فمؤمن لنا معناه: مصدق لنا، ومنه قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس:83] ، فقوله تعالى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى) أي: فما صدّق لموسى.
{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} ، أي: وما أنت بمصدق لنا، {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17] ؛ لما استقر في نفسك من حبك الشديد ليوسف، فأي شيء سننقله لك عن يوسف فلن تصدقنا فيه.
أخذ فريق من أهل العلم من سياقات هذا الحديث: أنه يعمل بالقرائن، فإن العلماء قد ذكروا أن يعقوب نظر إلى قميص يوسف، وإلى الدم الذي على القميص؛ فلم ير القميص مزق تمزيق ذئب، وإنما تمزيق بعض بني آدم، وأن الدم كذلك ليس بدم بشر، إنما هو دم حيوان آخر، وليس بدم يوسف صلى الله عليه وسلم، وكذلك أخذ من قولهم: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17] ، هذه الأمور الثلاثة: نوع الدم، طريقة التمزيق، وطريقة الخطاب.
فكلها قرائن تدل على كذبهم في دعواهم؛ فمن ثَم أعمل بعض العلماء القرائن.
وهناك ما يدل على إعمال القرائن: كالولد في قصة سليمان عليه السلام مع المرأتين اللتين ذهب الذئب بابن إحداهما؛ فقد خرجت امرأتان ترعيان زمن داود عليه السلام، ومع هذه ابن لها، ومع تلك ابن لها، فعدا الذئب على ولد من الولدين فقتله وأخذه، فتحاكمتا إلى داود عليه السلام وكل منهما تدعي أن الولد الباقي لها، فقضى به داود للكبرى، فخرجتا من عند داود عليه السلام فمرتا بسليمان فاستوقفهما سليمان عليه السلام، وقال: أنا أقضي بينكما في هذا الولد المتبقي، ائتوني بسكين لكي أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله! فعلم من قرينة الرحمة التي بذلت من الصغرى أن الطفل لها، فقضى بالطفل للصغرى صلى الله عليه وسلم.
فيعمل بالقرائن أحياناً وسيأتي لذلك مزيد إن شاء الله تعالى.