سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: يا حسن! أيحسد المؤمن؟ قال: سبحان الله ما أنساك لإخوة يوسف! أي أنهم حسدوا يوسف صلى الله عليه وسلم على ما أنعم الله به عليه من محبة أبيه له، فالحسد وارد حتى بين أهل الإيمان، والعين حق حتى بين أهل الإسلام، وقد ثبت: (أن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه وكان رجلاً أبيض وسيماً جميلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قام يوماً يغتسل، فمر به عامر بن ربيعة فرأى زنده البيضاء الحسناء، فقال: والله ما رأيت جلد مخبأة كهذه الجلد! والله وكأنها زند جارية! فسقط سهل صريعاً في الحال، فذهب أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله! أدرك سهلاً صريعاً! قال: فمن تتهمون؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به فقال: علام يحسد أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدعو له بالبركة، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ وأن يغسل ركبتيه وداخلتي إزاره، وأخذ الماء فصب على سهل بن حنيف، فقام وكأنما نشط من عقال) ، أي: كأنه كان مربوطاً بحبل وفك منه.
فالحسد وارد حتى بين أهل الإسلام، ولكن على المسلم أن يجاهد نفسه، وإذا رأى من أخيه ما يعجبه فليدعو له أن يبارك له الله فيما رزقه، فإنه إذا أطلق لنفسه العنان في الحسد فقد يصل بحسده إلى الكفر والعياذ بالله، والذي حمل إبليس على الكفر إنما هو حسده لآدم صلى الله عليه وسلم، إذ قال متكبراً حاسداً: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61] ؟ فإذا رأيت الله سبحانه فضل بعض الناس عليك في مال أو جاه أو منصب أو ذرية أو صحة وعافية أو وسامة وجمال؛ فادع لهؤلاء بالبركة، ولترض بقضاء الله سبحانه الذي قسمه الله سبحانه وتعالى لك، ولتمتثل أمر نبيك عليه الصلاة والسلام: (إذا نظر أحدكم إلى من فُضل عليه في المال والخلق؛ فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه في المال والخلق، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) .
فإذا رأيت أخاك المسلم في نعمة فلا تعترض ولا تحسد، ولتعلم تمام العلم أن الحاسد معترض على أقدار الله، فهو يحسد الناس على ما قدر الله لهم وآتاهم من الجمال، أو على ما قدر الله لهم من المال، فالحاسد معترض على أقدار الله.
والحاسد كذلك مشابه للشيطان؛ فإن الشيطان يكره النعم التي ينعم الله بها على العباد، مشابه للكفار؛ فالكافر يكره النعم التي ينعم الله بها على أهل الإيمان، فإذا حسدت إخوانك المؤمنين فتلعلم أنك معترض على أقدار الله، وأنك متشبه بالشيطان بل ومن جنده، وأنك كذلك متشبه بالمشركين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من تشبه بقوم فهو منهم) .
فليس التشبه في الزي أو الملبس هو المنهي عنه فقط؛ بل نهينا عن التشبه بهم في أصول الاعتقاد، وهو أعظم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران:156] ، أي: لا تتشبهوا بالكفار النادمين على خروج إخوانهم وموتهم في الأسفار.
فالكافر إذا خرج أخوه في سفر فمات قال: يا ليته ما سافر، يا ليته جلس، يا ليته ما خرج، يا ليتني كنت بجواره ويتأسف ويتحسر حسرات شديدة فينهانا ربنا عن التشبه بالمشركين في هذا المعتقد الرديء، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران:156] .
فالشاهد من ذلك أنه يحرم عليك أن تحسد إخوانك المسلمين المؤمنين على ما منَّ الله به عليهم وتفضل، وعليك إذا حسدت قوماً أن تستغفر الله، وأن تدعو لإخوانك بالبركة، وللحسد مباحث ستأتي في مظانها إن شاء الله تبارك وتعالى.