الدعاء لله والعمل بالأسباب في دفع الاستضعاف

قال الله: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75] ، تفيد الآيات: أن المستضعف يطلب من ربه تبارك وتعالى الخلاص، ليس مستضعفاً محباً للبقاء في دول الكفر، بل هو مستضعفٌ ويطلب من ربه تعالى الخلاص والفكاك، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75] ، والآية نزلت في أهل مكة، فكانت مكة قريةٌ ظالم أهلها كما قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] ، إلا أن العبرة بالعموم، فكل قرية أهلها ظلمة ينسحب عليها هذا الحكم.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء:75] ، فالقرية وإن كانت في نفسها ذات فضيلة إلا أن أهلها يظلمون الناس ويحولون بينهم وبين شرع الله، ويحولون بينهم وبين دينهم، فتترك هذه القرية وإن كانت في نفسها لها فضيلة، فمكة أفضل البلاد على الإطلاق بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على الحزورة فقال: (والله! إنك أحب بلاد الله إلى الله، وأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت) ، فالقرية وإن كانت في نفسها لها فضيلة إلا أنه لا يقام فيها شرع الله يخرج منها، وإن كانت القرية التي يخرج إليها دونها في الفضيلة لكن أهلها فيهم صلاح أو عندهم ملك لا يظلم عنده أحد جاز الذهاب إليها، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جعفر في أصحابٍ له إلى النجاشي في الحبشة وهي أرض كفر، لكن فيها ملك لا يظلم عنده أحد، والله سبحانه أعلم.

قال الله: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75] ، و (لدنك) : قال فريق من المفسرين.

أي: عندك.

أي: واجعل لنا من عندك ولياً، واجعل لنا من عندك نصيراً، {وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75] .

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:76] في سبيل الله.

أي: لإعلاء كلمة الله، كما تقدم تفسيره من حديث رسول الله.

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء:76] ، الطاغوت: عامٌ -وقد تقدم- ويشمل كل ما عبد من دون الله، وكل من أُطيع في معصية الله تبارك وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015