{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69] ، الصديق أصله من كثرة الصدق في الحديث، ومن كثرة التصديق كذلك، لكن يحمل التصديق على معنى شرعي وهو: تصديق الله فيما أخبر به، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه تبارك وتعالى، فالصديقية مأخوذة من كثرة التصديق، ومأخوذة من كثرة الصدق كذلك، فـ أبو بكر رضي الله عنه أُطلق عليه أنه صديق؛ لكثرة تصديقه بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخبر الذي ظاهره لا يقبله العقل، لكن مع ذلك كله كان أبو بكر يصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما مأخذه من الصدق في الحديث فلما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) ، فالصديقية تنال بالإكثار من تصديق الله ورسوله، وبالإكثار من الصدق في الحديث، حتى لو كانت لك إلى الكذب ضرورة وتركته كي تقترب من مرتبة الصديقين فهذا فعل حسن، حتى في أمور المزاح، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ويقول له الصحابة: (إنك تداعبنا يا رسول الله! قال: نعم ولكني لا أقول إلا حقاً -أو لا أقول إلا صدقاً-) فكان ينادي أنساً فيقول له: (ياذا الأذنين!) ، وحقاً فـ أنس له أذنان، فيكاد أنس يرتاب من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا ذا الأذنين) ! لكنه حقيقة فليس فيه كذب من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أتته العجوز تقول: (يا رسول الله! سل الله أن يدخلني الجنة، فقال: إنه لن يدخل الجنة عجوز! فولت مدبرة حزينة، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إن الله يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:35-38] ) ، أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالرجل ينال مرتبة الصديقية بالإكثار من الصدق في حديثه، وتحري الصدق في الحديث، وعدم الإكثار من التورية، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام خير من يقتدى بهم في هذا الباب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) ، حتى خائنة العين والإشارة بها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) .