وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} يقسم الله سبحانه وتعالى بنفسه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] قال الزبير بن العوام: فيّ نزلت هذه الآية وفي رجل من الأنصار، كان بيننا خصومة في شراج الحرة -مكان سقيا الماء- فذهبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحاكم إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير! ثم أرسل الماء إلى الأنصاري) ، وذلك باعتبار أن الماء كان يمر على الزبير أولاً، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله! أوإن كان ابن عمتك؟ يعني أنك حكمت له لكونه ابن عمتك، فـ الزبير ابن صفية وصفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله التي قال لها: (يا صفية بنت عبد المطلب! سليني من مالي ما شئت ... ) فقال الأنصاري لرسول الله: أوإن كان ابن عمتك يا رسول الله؟! أي: من أجل ذلك قضيت له! فتلون وجه رسول صلى الله عليه وسلم، وكان قد أشار عليهما بأمر فيه إصلاح لهما معاً، فقال: (اسق -يا زبير - حتى يرتد الماء إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى الأنصاري) ففيه نزلت: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ، فأمر النبي الزبير أن يستوفي حقه كاملاً، يعني العرف يقضي بأن الشخص إذا مر عليه الماء أن يسقي أرضه حتى يرتفع الماء إلى قدر معين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار على الزبير في بداية الأمر بأمر فيه خيرٌ لهما معاً، أن يأخذ قدراً يسيراً من الماء ثم يرسل الماء إلى الأنصاري، فلما أصر الأنصاري على أن يقضي بينهما قال الرسول: (اسق -يا زبير - حتى يرتد الماء إلى الجدر -يعني: استوف حقك كاملاً - ثم أرسل الماء إلى الأنصاري) ففيه نزلت: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
فإذا جئت إلى شخص وتحاكمت معه إلى كتاب الله، وأنت غير مرتاح القلب لهذا التحاكم فإيمانك ناقص أيضاً مع أنك تحاكمت إلى كتاب الله؛ لأن الله يقول: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هذا هو الإيمان.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، ولهذه الآية مزيدٌ من التعليقات تأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.