وللحسد أسباب كما قال العلماء، فله حامل يستدعي الحسد فيقوى، وأحياناً يضعف ويخبو، فمن أسباب الحسد: المجاورة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة والصيام والأمر والنهي والصدقة) والمجاورة في كل شيء، حتى في المهنة، فمثلاً: طبيب أطفال، وبجواره طبيب أطفال آخر، فتجد أحدهما قد يحسد الآخر، ولا يحسد أصحاب السيارات المرسيدس مثلاً، مع أن صاحب المرسيدس يكسب أضعاف أضعافهما، ولكن لا يحسد إلا مجاوره في مهنته، ولا يحسد الذي يكسب الملايين ولكن ينظر إلى جاره الآخر، ويتسائل: كم مريض دخل عنده اليوم؟ حتى قال العلماء: إن الإسكافي يحسد الإسكافي، وهو الذي يصلح النعال وينظفها فتراه لا يحسد أصحاب المحلات الذين يكسبون الآلاف، ولكن يحسد الإسكافي الآخر!.
وكذلك الحال في أنواع التجارات كلها، وكذلك في الضرائر: فإنهن يحسدن بعضهن البعض في الغالب إلا من رحم الله، فالمجاورة سبب في اجتلاب الحسد إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى بالورع في هذا الباب.
ومن أسباب الحسد حب الجاه والرئاسات فمنصب كبير يتنافس عليه المتنافسون، وكل يحسد الآخر حتى لا يصل إلى هذا المنصب.
وكان هذا الحسد سبب في نفاق عبد الله بن أبي، فلما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه وقال: (يا سعد! ألم تسمع ما قال أبو حباب -يعني: عبد الله بن أبي -) ، قال: يا رسول الله! اعف عنه واصفح يا رسول الله! فوالله! لقد أكرمك الله بالحق الذي أكرمك به، وقد اصطلح أهل هذه الحرة على أن يتوجوه، ويجعلوه سيداً عليهم أجمعين، فلما أكرمك الله بما أكرمك به من الحق شرق لذلك، وطفق يصنع ما تراه، فاعف عنه واصفح يا رسول الله!.
فأسباب الحسد حب الجاه وحب الرياسات، والمجاورة في الأعمال، والتنافس في الدنيا، وعلاجه الرضا بأقدار الله، والرضا بقسمة الله سبحانه وتعالى التي قسمها للعباد.
فهذه السورة جمعت الاستعاذة من أنواع الشرور.