يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1-2] .
لهذه السورة سبب نزول ألا وهو ما أخرجه البخاري وغيره، وفيه: (لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا، فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش! يا بني عبد مناف! ونادى على قبائل قريش، فأجابوه إلى طلبه، ومن لم يستطع منهم الإتيان إليه بعث إليه نائباً عنه، فلما اجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبهم قائلاً: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد غزوكم، أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم.
ما جربنا عليك كذباً قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟! فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:1-3] ) .
فعلى ذلك فقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] نزل قبل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:1-2] .
وأبو لهب اسمه: عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أخو عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وامرأته اسمها: العوراء أم جميل، وكانت امرأة مؤذية كافرة، تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
هذه السورة تعد علماً من أعلام النبوة، ودليلاً من أدلة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أخبر عن أمور مستقبلية ستحدث، فحدثت كما أخبر النبي صلوات الله وسلامه عليه.
ومن هذه الأمور المستقبلية أمور جاء ذكرها في كتاب الله، كقوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:2-4] ، وقد كان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه الدلائل: الأشراط الصغرى والأشراط الكبرى للساعة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الأشراط الصغرى وبعض الأشراط الكبرى، فوقع جلّ الأشراط الصغرى ووقع بعض الأشراط الكبرى، كالنار التي حشرت الناس، وباتت معهم حيث باتوا، وقالت معهم حيث قالوا.
فمن دلائل نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أخبر في هذه السورة أن أبا لهب {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] .
ومن مقتضيات ذلك ومن لوازمه: أن يموت أبو لهب على الكفر، فكان من الممكن أن يسلم أبو لهب كما أسلم غيره من الكفار؛ ولكن مات أبو لهب على الكفر، فصدِّقت الآيات بعد موته على الكفر.
فكان في قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] وتحقُّقِ ذلك بموت أبي لهب على الكفر علماً من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليلاً من أدلة نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام.