تفسير قوله تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت.)

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3-4] .

قلنا: إن الله سبحانه وتعالى يذكر الناس بنعمه، ثم بعد أن يذكرهم بنعمه يطلب منهم طاعته سبحانه وتعالى، فمثلاً --ولله المثل الأعلى- أنا فعلت لك كذا وكذا فبناءً عليه عليك أن تفعل كذا وكذا، فالله سبحانه أنعم على قريش بنعم: أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فمن ثم طلب منهم أن يعبدوا رب هذا البيت.

والأدلة على ذلك كثيرة في كتاب الله، قال تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] ، فلهذا الاصطفاء {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144] ، أي: خذ ما آتيتك بقوة.

وقال تعالى: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:42] ، ثم يأتي التكليف: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] .

وقال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:1-4] ، كل هذه نعم، فعلى ذلك {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8] .

وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] ، لذلك {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:9-11] .

كذلك في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي ذكر فيه الثلاثة: الأبرص والأعمى والأقرع، لما أتاهم الملك وقال لأحدهم: كأني بك فقيراً فأغناك الله، وأقرع فرزقك الله شعراً جميلاً، هل من شاة أتبلغ بها في سفري، فيذكر العبد الناس بنعم الله عليهم ثم يطلب منهم التكاليف، وهذا واضح.

فلذلك قال سبحانه: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش:3] ، الذي هو البيت الحرام، وجاءت فيه جملة فضائل، والله تعالى هو رب الأرض ورب البيوت كلها، لكن نسبة البيت إلى الله هنا نسبة تشريف، وتخصيصه بالذكر لتشريفه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015