قوله سبحانه: (لِإِيلافِ) من التأليف، والتأليف من معانيه الجمع والاجتماع، فـ (تأليف القلوب) أي: الجمع بين القلوب، (تأليف كتاب) : أي جمع موضوعات الكتاب وضم الموضوعات إلى بعض، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} [النور:43] أي: ثم يجمع بينه، هذا هو وجه الربط، فقوله سبحانه: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} أي: لتأليف قريش، ولجمع كلمة قريش، ولتوحيد قريش.
فهذا قول.
القول الثاني: أن السورة مستقلة، فإذاً: ستحتاج إلى تأويل آخر، فيكون المعنى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} لتوحيد قريش، ولجمع كلمة قريش، ماذا صنعنا لتأليفهم ولتوحيد كلمتهم؟ قال تعالى: {إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش:2] أي: جعلناهم (يألفون) رحلة الشتاء والصيف، أي: يتعودون، تقول: ألِفتُ الشيء: إذا تعودت عليه، وهذا شيء مألوف، أي: شيء معتاد.
هذا على التأويل الثاني.
فقوله: (إِيلافِهِمْ) أي: تعودهم {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش:2] أي: جعلناهم يألفون ويسافرون مع بعضهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام، فأنت إذا سافرت مع الناس ازداد التآلف فيما بينكم، وأيضاً لهذا التآليف آمنهم الله من خوف وأطعمهم من جوع، فقد كانوا يسافرون ولا يعترضهم أحد من الناس، على ما سيأتي.
الشاهد أن هنا تفسيراً آخر وهو أن: لتأليف قريش ولجمع كلمة هذه القبيلة جعلناهم يألفون رحلة الشتاء والصيف، وسهّلنا عليهم رحلة الشتاء والصيف.
وقول ثالث: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} فيه تقدير محذوف، وهو: اعجبوا لتعود قريش على رحلتي الشتاء والصيف، وبعدهم عن طريق الإيمان وعن طريق الله سبحانه وتعالى.
إذاً: هناك ثلاثة أقوال مشهورة في تفسير قوله تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} .