قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:4-5] : من العلماء من قال: إن الأرض تتكلم كلاماً حقيقياً مجيبة للإنسان على تساؤله، فعندما يقول الإنسان مستغرباً متعجباً: ما الذي حدث للأرض؟ فتجيبه قائلة: إن الله أوحى إليّ بذلك، وأمرني به، لأن ربك أوحى لها، فالمعنى: إذا سألها الإنسان عن سبب أفعالها التي فعلت، فإنها ستجيبه قائلة: إن الذي فُعِل بي إنما حدث بوحي الله إليّ.
بلسان المقال.
ومنهم من قال: إن الإجابة بلسان الحال، فيتساءل الإنسان: مالها؟ فلا يجد إلا إجابة، وهي: إن هذا الذي حدث إنما هو بأمر الله.
وإن لم تتلفظ الأرض بهذا اللفظ.
ومن أهل العلم من قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] أي: تخبر عن كل شخص بما عمل على ظهرها، تأتي الأرض يوم القيامة وتشهد على كل عامل بعمله، يا رب! هذا الرجل مشى عليّ كي يذهب إلى المسجد ويصلي وسجد لك عليّ، يا رب! هذا العبد مشى عليّ كي يتصدق، مشى عليّ وخطا خطوات كي يشهد الجمعة والجماعة، ويحضر مجالس العلم، يا رب! ذاك العبد، مشى عليّ للشر والفساد، وسار على وجهي وطفق يهلك الحرث والنسل.
فتحدث عن كل شخص بالذي عمل عليها، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12] أي: نكتب الآثار، من العلماء من قال: آثار الخطأ، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] .
ويشهد لهذا المعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم لبني سلمة لما كانت ديارهم بعيدة عن المسجد وأرادوا أن يقتربوا من مسجد رسول الله ويشتروا بيوتاً بجوار المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم) أي: الزموا البقاء في دياركم البعيدة، تكتب آثار خطاكم في موازينكم أو في صحفكم، فهذا وجه في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] .
ففيه أوجه: أحدها: أن الأرض تجيب إذا سألها الإنسان مالكِ؟ فتجيبه إما بلسان الحال أو بلسان المقال: أن هذا الذي حدث لي إنما هو بوحي الله إليّ.
الوجه الثاني: أنها تخبر عن كل شخص بما عمل على ظهرها.