قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] .
لماذا قال: (ليلة القدر خير من ألف شهر) ؟ قال بعض أهل العلم: إنها خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقيل: السبب في ذلك أن أهل الكتابين اليهود والنصارى كانوا لا يطلقون على الشخص أنه عابد إلا إذا عبد ربه ألف شهر، فجاءت منقبة وفضيلة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه المنقبة والفضيلة أن الله جعل لهم ليلة القدر؛ من قامها كان كمن قام ألف شهرٍ من أهل الكتابين ومن الأمم السابقة.
وفي هذه الآية دليل -كما أسلفنا- على فضل بعض الليالي على بعض، وفيها أن العمل اليسير الذي يوافق السنة خيرٌ من العمل الكثير الذي ليس على هدى ولا على بصيرة، والفقيه في الدين قد يعمل عملاً قليلاً ويؤجر عليه كثيراً، وهذا مصداق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) ، فيعلم أين الغنيمة، وكما يقول الناس: فلان يعلم من أين تؤكل الكتف، وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً من عند جويرية بنت الحارث زوجته وهي تذكر الله بعد صلاة الصبح، وذهب إلى حيث أراد الله له، ثم رجع وهي ما زالت تذكر الله، فقال: (ما زلت على الحالة التي فارقتك عليها؟ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتهن لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: (الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) أي: لها أجران.
فالذي يقوم ليلة القدر خيرٌ ممن يقوم شهراً كاملاً، والذي يداوم مثلاً على قيام العشر الأواخر خيرٌ من الذي يقوم شهرين أو ثلاثة أشهر متصلة في السنة في غير العشر الأواخر.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ، أي: خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة قدر.