ثم قال الله سبحانه وتعالى مبيناً حال رجل كافر {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق:9-10] أي: ما رأيت خيبة مثل خيبة هذا الخائب، أو جرماً مثل جريمة هذا المجرم، والعبد هو أبو جهل، والعبد المنهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هي تعم كل ناه وكل منهي، ومناسبة ذلك: أن أبا جهل قال: (لئن رأيت محمداً يعفر رأسه بين أظهرنا لأطأن عنقه) أي: سأدوس على رقبته إذا رأيته يصلي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو دنا لخطفته الملائكة) ، فالله يقول: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} وهي تنطبق على كل أب ينهى ولده عن الصلاة، وعلى كل أم تنهى ابنتها عن الصلاة وعن الاستقامة.
قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} [العلق:11] أي: هذا العبد المنهي هو على الهدى {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق:12] أي: هو عبد مهتدٍ مصلٍ مستقيم يأمر بالتقوى، ومع هذه الحالة الطيبة والخصال الطيبة يأتيه شخص ويقول له: لا تصل، لا تأمر بالهدى، لا تأمر بالتقوى، ابتعد عن طريق الهدى، أمرك غريب، فالاستفهام يحمل معنى التعجب والتوبيخ لهذا الناهي، تعجب منه وتوبيخ له، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} واحد يطبق سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فتقول له: لا تطبقها، {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ} أي: هذا المنهي {عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} >ثم يتحول السياق إلى هذا الناهي، وهذا يسميه العلماء في البلاغة: الالتفات، حيث يكون الخطاب موجهاً تجاهك ثم يحول في اتجاه آخر، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ} [يونس:22] الخطاب للحاضر {فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس:22] فتحول الخطاب من الحاضر إلى الغائب (وجرين بهم) ، ولم يقل: (بكم) ، وكما في قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ} [الإنسان:21] الضمير للغائب {رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21] ، ثم تحول الخطاب: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} [الإنسان:22] ولم يقل: (كان لهم جزاءً) فتحول الخطاب، فهذا يسميه العلماء: الالتفات.
قال الله: {أَلَمْ يَعْلَمْ} [العلق:14] أي: هذا الناهي {بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] .