تفسير قوله تعالى: (فأنذرتكم ناراً تلظى)

قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل:14] ، أي: تتوهج وتتلهب وتشتعل وتتوقد، (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) ، أي: حذرتكم من هذه النار المتوهجة الملتهبة المتقدة.

(لا يَصْلاهَا) ، أي: لا يدخلها فيصلى بحرها {إِلَّا الأَشْقَى} [الليل:15] ، والأشقى هنا هو: الكافر والمشرك، فإن قيل: هل هذه النار لا يصلاها إلا الكافر؟ هل هناك مسلمون يدخلون هذه النار أو ليس هناك مسلمون يدخلون هذه النار؟ قد يقول قائل: إن قوله: (لا يَصْلاهَا) ، أي: لا يدخلها (إِلَّا الأَشْقَى) ، وهو -كما قلتم- الكافر أو المشرك، وكذلك في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131] ، فهي معدة للكفار، فهل النار يدخلها أحد من المسلمين؟

صلى الله عليه وسلم نعم، هناك مسلمون يدخلون النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ فذكر أن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) ، وهذا وهو مسلم! وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:130-131] ، وقال تعالى: {وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68] ، فهناك مسلمون يدخلون النار، فكيف -إذاً- نوجه قوله تعالى: (لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى) ؟ للعلماء في هذا أجوبة: الوجه الأول من هذه الأجوبة: أن النار نيران، وليست ناراً واحدة، وهي دركات، فهناك نار معدة للكافرين، ونار أقل منها معدة للمسلمين العصاة الذين لم يتب الله عز وجل عليهم لجرائمهم، فهم يدخلون النار مدداً ثم يخرجون منها إلى الجنان على ما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الوجه الأول.

الوجه الثاني: أن المراد بقوله: (لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى) ، أي: (لا يصلاها) مخلداً فيها خالداً إلا الكافر، أما المؤمن فهو وإن دخلها فلا يخلد فيها، لقول الله كما في الحديث القدسي: (اخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن ذرة ... ) الحديث.

{الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] ، (تولى) معناها: أعرض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015