تفسير قوله تعالى: (وشاهد ومشهود)

قال تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3] ، أما (الشاهد) له معنيان: الأول: قد يطلق على الحاضر.

الثاني: يطلق على الناظر أو الرائي.

تقول مثلاً: شهدت موسم الحج، أي: حضرت موسم الحج.

فمن معاني الشهادة: الحضور، ومن معانيها: الرؤية، شهدت كذا وكذا، أي: رأيت كذا وكذا.

فمن العلماء من قال: المراد بـ (الشاهد) : الحاضر، فأقسم الله بالشاهد.

ما هو الشاهد على تأويل الشاهد بالحاضر؟ للعلماء في ذلك أقوال: أحدها: أن (الشاهد) : كل الخلائق، والمشهود: يوم القيامة، فالمعنى على هذا التأويل: أن الله يقسم بالناس أو بالخلائق التي ستشهد موقف الحساب، (فالشاهد) أي: الحاضر وهم الخلائق، و (المشهود) : هو يوم القيامة.

القول الثاني: أن (الشاهد) : هم الذين يصلون الجمع، يعني: هم الحضور الذين يحضرون صلاة الجمع، و (المشهود) : هو يوم الجمعة.

الثالث: أن (الشاهد) : هم الحجيج الذين يشهدون عرفات، فـ (المشهود) : هو عرفات.

الرابع: أن (الشاهد) : هم الحجيج، والمشهود: يوم النحر.

هذه بعض الأقوال في تفسير (الشاهد) بمعنى: الحاضر.

والقول الثاني في تفسير (الشاهد) : بمعنى: الرائي والناظر، أو بمعنى أوسع شيئاً ما: (الشاهد) : الذي تقوم به الشهادة، وتثبت به الدعاوى، فمن العلماء من قال: إن (الشاهد) أي: الشاهد على الخلائق والذي تقوم به الدعاوى، فـ (الشاهد) هو الله، و (المشهود) : هو التوحيد، واستدل لهذا القول بقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:19] .

والقول الثاني: أن الشاهد: هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود: الخلائق أيضاً مشهود عليهم، والذي يشهد للقول الثاني قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] .

الثالث: أن (الشاهد) : هم الأنبياء عموماً، والمشهود عليهم: أممهم.

الرابع: أن (الشاهد) : أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتشهد على سائر الأمم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في الأرض) ، أو (يدعى نوح يوم القيامة، فيقال: يا نوح! هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقول قومه: ما جاءنا من نذير، فيقال لنوح: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته) .

هذه بعض الأقوال في تفسير (الشاهد) و (المشهود) ، واختار قوم من أهل العلم العموم، فقالوا: كل ما يصلح أن يطلق عليه شاهد فهو شاهد، وكل ما يصلح أن يطلق عليه مشهود فهو مشهود، وهذا اختيار ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، فعلى ذلك: يدخل في لفظ (الشاهد) الحجيج الذين يشهدون الحج، والمصلون الذين يشهدون الجمع، والمصلون الذين يشهدون الأعياد، ويدخل في لفظ (الشاهد) الشاهد الذي تثبت به الدعاوى، وعموم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المسلك يسلكه ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في مواطن متعددة، فتجده دائماً يجنح إلى القول بالعموم، كما تقدم في تفسير قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات:1] ، فللعلماء في تفسير: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات:1] أقوال: منها: أنها الملائكة، ومنها: أنها البقر الوحشي، ومنها: أنها القسي التي تنزع منها السهام إلى غير ذلك من الأقوال، فكان ابن جرير الطبري دائماً يجنح إلى اختيار القول العام الذي تندرج تحته كل هذه الأقوال.

فقوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3] : أقسم الله سبحانه وتعالى بثلاثة أشياء: بالسماء ذات البروج، وباليوم الموعود، وبالشاهد والمشهود، وإذا أقسم الله سبحانه وتعالى بشيء دل هذا القسم على أهمية، المقسم به، فاليوم الموعود له أهمية وصلوات الجمعة والأعياد والحج لها أهمية، وكذلك كل ما ذكر تحت قول {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3] فله أهمية، فلا تجد في كتاب الله أن الله يقسم بشيء حقير، إنما يقسم بالسماء والطارق، ويقسم بالشمس وضحاها، ويقسم بالليل إذا يغشى، وبالضحى.

إلى غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015