بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فسورة النساء سورة مدنية، أي: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما نزلت سورة النساء الطولى إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، فهناك سورة النساء الطولى، وسورة النساء القصرى، فسورة النساء القصرى هي سورة الطلاق، أما سورة النساء الطولى فهي سورة النساء التي بعد سورة آل عمران في ترتيب المصحف؛ فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما نزلت سورة النساء الطولى إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو يفيد أن سورة النساء مدنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تزوج عائشة إلا بالمدينة، فدل ذلك على أن سورة النساء مدنية، وفيه رد على من يقول إن كل آية فيها (يا أيها الناس) إنما نزلت بمكة، وكل آية فيها (يا أيها الذين آمنوا) إنما نزلت بالمدينة، فهذا الإطلاق لا يوافق عليه مطلقاً، فإن قال: هذا هو الغالب سُلِّم له قوله.
وفيها آيات يعدها كثير من أهل العلم من أعظم آيات الرحمة والرجاء، كقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31] ، وكقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27] ، وكقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء:28] ، وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، فهذه كلها آيات الرجاء، وآيات تبين سعة رحمة الله عز وجل بالعباد.