{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات:6] العذر: إعذار من الله لخلقه، والإعذار في حق الناس يتضح معناه من سورة الأعراف؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164] أي: نقدم اعتذارنا إلى ربنا سبحانه بأننا قد أدينا الذي علينا، لكن في حق الله سبحانه وتعالى له شأن، وتجري الآية في ظاهرها في حق الله سبحانه وتعالى، فإذا قلنا -مثلاً- أعذر فلان فلاناً، أي: قدم له الأشياء حتى لا يعتذر إليه مرة ثانية.
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره) أي إذا عشت ستين سنة وجاءك فيها الشيب، وجاءك فيها النذير، ورأيت أباك قد مات، ورأيت أخاك قد مات، وأمك ماتت أمام عينيك وتكررت عليك الابتلاءات، وتكررت عليك المحن والفتن، ورأيت عاقبة الظلم ورأيت عاقبة الظالمين، كيف تعتذر بعد ذلك؟ فهذا معنى الإعذار، فإلقاء الذكر من الله لئلا يعتذر الخلق كما في قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:19] .
{عُذْرًا} [المرسلات:6] أي: أن الملائكة تلقي الوحي وتلقي الذكر على الأنبياء {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات:6] إما لبيان الاعتذار حتى لا تعتذر، أو إنذاراً لك حتى لا تقع في المحذور وتخويف لك كذلك.
فالذكر يكون إما عذراً أو نذراً، وهذا في الغالب.
وقد يقول قائل: إن هذه الآية أفادت أن الملائكة تلقي الذكر إما إعذاراً وإما إنذاراً، إما على سبيل الإعذار وإما على سبيل الإنذار.
وقد يقول قائل: فقصص القرآن هل هي من الإعذار أم من الإنذار؟ وأقرب ما يقال فيها إنها من باب الإعذار.