{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] ، ما المراد بالصلاة؟ قال بعض أهل العلم: المراد بالصلاة مواطن الصلاة، وهذا كما قال الشاعر: وسبّحت المدينة لا تلمها رأت قمراً بسوقهم نهاراً سبحت المدينة أي: سبّح أهل المدينة.
ونحوه من التنزيل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] أي: اسأل أهل القرية، فعلى هذا قال بعض أهل العلم: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] أي: مواطن الصلاة، وهي: المساجد.
وإن قال قائل: هل لذلك شاهد في التنزيل؟ قيل: إن شاهده قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج:40] الشاهد: (وصلوات) المعنى: لهدمت صلوات.
أي: مواطن الصلوات، وقد نحا بعض المفسرين منحىً آخر فقالوا: المراد (بهدمت صلوات) : الصلوات نفسها، وهدمها عدم إقامتها، فقالوا: لأنا إذا قلنا: هدمت صلوات وهدمت مساجد؛ لكان تكراراً؛ لأن الآية فيها: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج:40] فلا يقال: (لهدمت مساجد ومساجد) لأنه سيكون تكراراً لا معنى له.
فالشاهد: أن من أهل العلم من قال: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] أي: لا تقربوا مواطن الصلاة.
{وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] ولماذا هذه الإطالة حول هذه الجزئية؟ لأن ثم حكم فقهي يترتب على تأويل قوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] .
هل المراد الصلاة نفسها أو المراد المساجد؟ وذلك لأن الله قال: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] على التأويل الأول: لا أقرب الصلاة وأنا جنب، لكن إذا قلت: لا تقربوا الصلاة.
أي: لا تقربوا المساجد، إذاً لا يقربها الجنب بلفظ هذه الآية: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] ، هنا خلاف فقهي في مسألة دخول الجنب المسجد على التأويل الثاني يستدل على المنع بهذه الآية، ويقال: إن الجنب لا يقرب المسجد؛ لأن الله قال: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا} [النساء:43] أي: لا تقربوها أيضاً وأنتم على جنابة، هذا إذا قلنا: المراد بالصلاة مواطن الصلاة، فيمنع الجنب من دخول المسجد لهذه الآية الكريمة، لكن لو قلنا: المراد بالصلاة على حقيقتها، فلا يستدل بالآية على منع الجنب من دخول المسجد، إلا أن الإمام أحمد روى بإسناده إلى عطاء أنه قال: (رأيت بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمكثون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا) .
وكذلك أهل الصفة كانوا يبيتون في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يؤمن أن يجنب أحدهم، ومع ذلك يستمر النائم على جنابته.
لكن القول بالمنع أحوط، والنائم لا حرج عليه فإنه إذا استيقظ ورأى نفسه على جنابة، خرج واغتسل.
هذا على تأويل: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء:43] أي: مواطن الصلاة.