Q الواقدي متهم بالكذب، ويروي في السيرة والتاريخ؛ فهل يقبل حديثه؟
صلى الله عليه وسلم لا نقبل للواقدي حديثاً، فـ الواقدي رغم أنه حافظ إلا أنه كذاب، كما وصفه العلماء.
نعم هو مكثر من الحفظ لكنه يكذب في الحديث، وإذا كان يكذب في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فكيف نقبل أخباره في السيرة والتاريخ؟! وللأسف أن الذين يكتبون في السيرة والتاريخ أغلب مادتهم من الواقدي؛ لأن ابن سعد في كتابه: الطبقات أخذ جل كتاب الطبقات من الواقدي، والواقدي كذاب كما سمعتم، فإذا قلت لهم: إن الواقدي كذاب، ضيقت عليهم المادة التي يتحدثون بها، فضاقوا ذرعاً بكلامك ولم يلتفتوا وأصروا على باطلهم وقبلوا كلام الواقدي، فكما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (ما أحوج أهل السنة إلى قصاص صدوق) أي: أن الناس يحبون الوعاظ؛ لأنهم يتكلمون بكلام كثير ويا ليته نافع كلام كثير منهم مبني على أكاذيب، فإذا قوضت وقيدت عليهم ضاقوا ذرعاً بك، وقالوا: نحن نتساهل في أمر السيرة، وهذا لا يضر.
وهذا كلام خطأ، فالرجل أحياناً بل في كثير من الأحيان ينسب إلى رسول الله ما لم يفعله؛ لأنه عندما يقول: سار رسول الله من مكان كذا إلى كذا، واتجه وقابل فلاناً وأقام صلحاً مع فلان كل هذه سيرة ويبنى عليها أحكام، فإذا كانت مبنية من طريق كذاب فلا تقبل ولا تروى ولا كرامة.
هذا بالنسبة لكتب السيرة، وللأسف أن الناس يتلقونها هكذا ولا يمحصون ما فيها ثم تنشأ عنها بلايا، وأحياناً حتى بعض إخواننا من أهل السنة يقعون في شيء من هذا، لكن نلتمس لهم الأعذار، مثلاً: يوجد كتاب طبع ووزع بكميات كبيرة اسمه: "السيد البدوي دراسة نقدية" وهذا الكتاب أغلب مادته مأخوذة من كتاب أحمد صبحي منصور الرجل الذي سحبت منه الرسالة الآن، وأحمد صبحي منصور هذا هل نحن نشهد أنه صادق؟ لا نشهد له بالصدق أبداً؛ فإنه طعن في نافع مولى ابن عمر الذي يروي أصح الأحاديث عن عبد الله بن عمر، وطعن في سنة رسول الله حديثاً تلو حديث تلو حديث، ثم جاء أخونا عبد الله صابر وأخذ أغلب مادته من كتاب أحمد صبحي منصور.
أما السيد البدوي المأثور عنه -وعلمه عند الله- أنه من الرافضة، والشرك الذي يرتكب عند قبره يجعل الشخص يهاجمه بكل ما يتسطيع أن يهاجم به شخصاً إذا كان يقر هذا الشرك.
لكن كوننا نعتمد على كتاب لرجل غير موثق وغير ثقة؛ فأظن أن هذا لا يصلح ولا يجوز، فـ أحمد صبحي منصور نفسه أخذ أغلب مادة الكتاب منه، وكتبها عبد الله بن صابر، ولما كتبها عبد الله بن صابر بعض إخواننا لتحامله -وهو تحامل في محله- عليه رماه بالشرك، وهم حقيقة يشركون بالله، لكن مع كونهم يشركون بالله لا نقل إلا شيئاً موثقاً من مصدر صحيح ثابت.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإذا أردت أن تأخذ السيرة الصحيحة فخذها من صحيح البخاري في كتاب: السير والمغازي فصحيح البخاري كله مسند، يقول البخاري: حدثني إسماعيل، حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كذا وكذا.
فقد جمع المادة العلمية الصحيحة بالأسانيد الثابتة، وكذا في كتاب المغازي في صحيح مسلم، وهناك رسائل دكتوراه ألفت الآن في الغزوات، وتوجد رسالة دكتواره ألفت في غزوة تبوك جمعت المادة العلمية التي رويت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، أثبتت الثابت منها وأبعدت الضعيف منها، ورسالة أخرى ألفت في غزوة بدر أثبتت الثابت عن رسول الله في غزوة بدر وأبعدت غير الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وتوجد مجهودات تبذل في الجامعات سواء كانت في الأزهر أو في الجامعة الإسلامية في المدينة أو في غيرها جمعت المادة العلمية الثابتة عن رسول الله فالتعويل عليها، أما أننا نأخذ الغث والسمين، والشيخ فلان يأتي يروي القصة ويزيد عليها نصفها أو ضعفها، والشيخ الآخر ينسجم مع القصة فيجلس يفسر وينسب تفسيره إلى رسول الله! فهذا يسبب أخطاء كبيرة، حتى إن بعض الناس يدرس كتاباً اسمه: "المنهج الحركي للسيرة النبوية" ولما يقول خرج الرسول من كذا إلى كذا ويبني عليها حكماً.
إذاً: أسند هذا الكلام مادمت نسبته إلى رسول الله، فديننا مبني على هذا، ونحن لسنا مطالبين بالإكثار من الكلام بل مطالبين بإعطاء الناس مادة علمية صحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً: الآن يصاغ في غزوة تبوك رسالة دكتوراه، وقد تستغرق ثلاث سنوات أو أربع، لو وجد متفرغ لدراسة مرويات غزوة تبوك وإثبات الثابت وإبعاد الضعيف، وغيرها من مغازي رسول الله: المريسيع وتبوك وبدر وأحد والخندق والفتح، عدة مغازي فيحتاج إلى صبغة أدبية بين كل هذا الترتيب الزمني فيحتاج إلى صبغة أدبية، فقد يكون لم يؤت تلك القدرة على الصياغة الأدبية فيحتاج إلى غيره يصيغ يسبك الأحداث بصيغة أدبية تشوق الناس لقراءتها.
نسأل الله أن يوفقنا لما فيه خير للإسلام والمسلمين.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.