تفسير قوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين.)

قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] فالآية في الكفار؛ لأن الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين؟ وهل كل الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين نعم لقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] إلا أبا طالب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعل شفاعتي تنفعه، فهو في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) .

قال سبحانه: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر:48-49] أي: عن هذه المواعظ معرضين منصرفين، {كَأَنَّهُمْ} [المدثر:50] ، يصفهم الله، {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:50] ، فكأن هؤلاء الكفار حمير نفروا وفروا، {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:51] القسورة: الأسد، فيصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء الكفار في فرارهم من رسول الله بالحمير التي فرت لما رأت الأسد، فالحمير إذا رأت أسداً تفر وتمعن في الفرار، وكذلك هؤلاء الكفار إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فروا وتولوا عن سماعه غاية التولي، وأعرضوا عن سماعه غاية الإعراض، {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:50] فالله سبحانه وتعالى شبه الكفار هنا بالحمير، وفي موطن آخر شبه بعضهم بالكلب، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175] إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] .

وشبهوا بالحمير كذلك في آية أخرى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:5] .

وشبهوا بالأنعام: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:44] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015