وقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] الرجز: المراد به الأصنام، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] ، واهجر بمعنى: اجتنب واعتزل.
وقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] ، ما المراد بالمن هنا؟ فيه أقوال: القول الأول: إن المراد بالمن هنا: الإعطاء، فقوله سبحانه: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] أي: لا تعط أحداً عطية وتطلب أكثر من هذه العطية، كالذي يفعل مع الأمراء، كشخص يأخذ هدية مثلاً بألف جنية ويهديها للمحافظ أو للرئيس من أجل أن يعطيه المحافظ أو الرئيس قطعة أرض بمائة ألف مثلاً.
فالمعنى على هذا يكون: لا تعط عطية كي تحصل على أكثر منها، ففسر المن بالإعطاء كما تقول: شخص من علي بكذا، أي: أعطاني كذا، وتقول: أمنن علي مَنَّ الله عليك! أي: أعطني أعطاك الله! وكما قال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تمنن تمنن على شاكر، يعني: إن تعط تعط رجلاً شاكراً، وكما قال الله في آية أخرى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39] .
القول الثاني: لا تستكثر بأعمالك، فإن أهل الكرم يفعلون كبير الفعال الخيرة ولا يلتفتون إليها ولا يستكثرونها، بل يفعلون كبار الأفعال وعظائم الأفعال النبيلة وهم يرون أنهم لم يصنعوا شيئاً، هذا فعل أهل الفضل، وأهل الخير يقدمون ما قدموه ويرون أنهم ما صنعوا شيئاً، كما قال القائل: وتصغر في عين العظيم العظائم، يعني: يفعل الشيء العظيم ولا يبالي به كأنه صغير، وغيره يفعل الفعلة الصغيرة ويعظمها تعظيماً زائداً.
فمعنى قوله: (ولا تمنن تستكثر) أي: لا تعط العطية وتتباهى بها، بل أهمل ما صنعت من معروف، ولا تذكره أمام الناس.
القول الثالث: أي: لا تعط العطية وتمن بها على الناس، وتكثر من منّك على الناس.
وقوله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7] من العلماء من قال: (ولربك) أي: ولعبادة ربك فاصبر كما قال: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:65] ، فالمعنى: لطاعة ربك ولعبادة ربك فاصبر.
ومنهم من قال: إن معنى قوله: (ولربك فاصبر) أي: تحمل في سبيل الله سبحانه وتعالى من أجل إعلاء كلمته المشاق والصعاب، واصبر من أجل نصرة دين الله.