قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إن هذه هي أول سورة نزلت من كتاب الله، وخالفه الجمهور في ذلك فقالوا: إن أول سورة نزلت هي سورة العلق، وذلك عندما جاء الملك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ! فكرر عليه: اقرأ، فرد عليه: ما أنا بقارئ! حتى قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1-2] .
فالجمهور على أن أول سورة نزلت من كتاب الله هي العلق، ومن العلماء من قال: إن أول سورة نزلت من كتاب الله هي: سورة المدثر، ومنهم جابر بن عبد الله الصحابي، وجمع فريق من العلماء بين القولين بأن قال: إن أول ما نزل على رسول الله هي سورة العلق، ثم فتر الوحي، فبعد مدة نزل على رسول الله سورة المدثر، فالصحابي الذي قال: إن أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام هي سورة المدثر، قال ذلك باعتبار النزول الثاني، أي: أول ما نزل على رسول الله بعد الانقطاع سورة المدثر، أو قال ذلك بحسب علمه، والله أعلم.
الخلاصة: إما أن يقال: إن الصحابي أراد بقوله: إن أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام سورة المدثر: أي بعد انقطاع وفتور الوحي مدة، أو يقال: إن الصحابي قال هذا بحسب علمه رضي الله تعالى عنه.
أما المدثر فمعناها أيضاً: المزمل، فالمدثر: هو الذي تدثر بثيابه، أي: التف في ثيابه، وكما أسلفنا أن العرب كانوا إذا أرادوا أن يتلطفوا مع شخص في الخطاب ينادونه بصفة هي ملابسة له، كأن يقولون: (قم يا نومان!) ، أو (قم يا أبا التراب) ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، أما الأول فقاله لـ حذيفة بن اليمان يوم الخندق: (قم يا نومان!) ، والثاني قاله لـ علي لما كان مغاضباً لـ فاطمة رضي الله عنهما.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] أي: يا أيها الذي تدثر بثيابه وتلفف فيها وتغطى، قم من نومك واترك غطاءك وفراشك، (قُمْ فَأَنذِرْ) .