Q هل صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة، والقول بالعشرين ضعيف جداً؟
صلى الله عليه وسلم لا، القول بالعشرين ليس بضعيف جداً لحديث عمر رضي الله عنه، وغايته أن هناك روايات ثابتة عن عمر أنه جمع الناس على أبي بن كعب على إحدى عشرة ركعة، وروايات أيضاً ثابتة عن عمر أنه جمع الناس على أبي على إحدى وعشرين ركعة، فأيهما ترجح؟ فمن العلماء من قال بترجيح رواية الإحدى عشرة ركعة على الإحدى والعشرين ركعة، لكن الأخرى ليست ضعيفة بل هي صحيحة، لكن هناك شيء صحيح وشيء أصح.
فلذلك ذهب بعض العلماء إلى القول بالجمع بين الروايتين، قال: يحمل على أن عمر أمرهم أن يجتمعوا على أبي بن كعب أحياناً بإحدى عشرة، وأحياناً بثلاث وعشرين أو بإحدى وعشرين، وأذكر أن من الذين جنحوا إلى هذا ابن عبد البر رحمه الله تعالى، فقد جنح إلى الجمع بين الروايتين، لكن القول بأن الإسناد ضعيف جداً قول غير صحيح.
فالغاية أن يقال: إن رواية الإحدى عشرة أصح من رواية الإحدى والعشرين، ورواية الإحدى والعشرين صحيحة قولاً واحداً، والله تعالى أعلم.
لكن ثمة استدلالات أخر، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) ، فهذا يشجع على الصلاة.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام نبي الله داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) أي: يقوم ثلث الليل، أربع ساعات أو ثلاث ساعات تقريباً.
إذا جئت أنا وأنت نصلي بالناس أئمة ونريد أن نوافق قيام داود عليه السلام الذي هو أحب القيام إلى الله، إذا قلت: أصلي إحدى عشرة ركعة فقط وتستغرق الإحدى عشرة ركعة أربع ساعات فسوف أشق على المصلين غاية المشقة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت إمامهم واقتد بأضعفهم) وإن كان هذا في الفرد، لكن أيضاً من أراد ألا يحرم فضل حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) علي أن أعاونه لنيل هذا الفضل.
فالشاهد: إذا قمت أصلي إحدى عشرة ركعة كما ورد في السنة أن عائشة قالت: (ما زاد على إحدى عشرة ركعة) جاز كما في حديث ابن عباس فصلى ثلاثة عشر ركعة، فإذا جئت أصلي الإحدى عشرة ركعة في أربع ساعات لم أطق ولن يطيق المصلون بعدي، فكما قال الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من العلماء: إذا قللت في القراءة فزد في عدد الركعات، وإذا أطلت القراءة فخفف على الركعات.
وليس هناك أي نهي عن الصلاة زيادة عن الإحدى عشرة ركعة، بل الأمر مفتوح؛ لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) ولهذا كان عمل الأئمة والسلف، وإن شئت أن تقرأ تراجم العلماء كـ الشافعي وأحمد وغيرهما من العلماء؛ فانظر كيف كانوا يصلون؟ انظر كيف كان السلف يصلون؟ بعضهم يصلي في الليل ستاً وثلاثين، ويقول فريق من المالكية: إن هذا هو المستحب عندنا، فما كانوا يريدون أن يستحوذوا على فضيلة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام داود) ولا يشقون أيضاً على الناس، فمن شاء أن ينصرف انصرف، ومن شاء أن يبقى بقي.
يضاف إلى ذلك أن نصوص الكتاب والسنة التي وردت في قيام الليل وردت مقيدة بالزمن وليس بعدد الركعات، منها: (أحب القيام إلى الله قيام داود) ولم يقل: كان يقوم إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو عشرين ركعة، بل قدر بالزمن: (كان يقوم ثلث الليل) ونحوه في آية المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل:2-3] فبني أيضاً على الزمن، ونحوه قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران:113] أي: ساعات الليل.
فالوارد جاء بتقديرات زمنية وليس بعدد ركعات، صحيح أن عليكم هدياً قاصداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أيضاً النظر في مصلحة المصلين من هدي رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.