Q ما حكم إتيان المرأة في الدبر؟
صلى الله عليه وسلم إتيان المرأة في الدبر لا يجوز؛ لأن الأحاديث قد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعن من أتى امرأة في دبرها، وإن كان في الأحاديث مقال؛ إلا أنها بمجموع الطرق تصلح للاحتجاج بها مع ضمينة أخرى، وهي قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] : (وهل الحرث إلا موضع الزرع) والدبر لا يكون موضعاً للزرع، فالفرج: هو موضع الحرث، أي: الإيلاج، وهذا هو الراجح.
أما الآثار الواردة عن بعض الصحابة بالإباحة، فالعبرة بالمرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذا قلنا مثلاً: إنه قد ورد عن صحابي من الصحابة شيء من إباحة إتيان المرأة في دبرها فلا نتعلق بهذا الأثر ونترك المرفوع عن رسول الله من ناحية، ونترك رأي جمهور الصحابة من ناحية أخرى، فمن تتبع مثل هذه التتبعات أوشك أن يتزندق، وقد قدمنا مراراً أن أبا طلحة رضي الله عنه كان يرى أن البرد -أي: الثلج- الذي ينزل من السماء لا يفطر الصائم، يقول: إنه ليس بطعام ولا بشراب! ويقول: إذا وجد هذا البرد وهو صائم: حي على الطعام المبارك، وعمر كان يمنع عن التمتع في الحج، وابن مسعود كان يرى التطبيق، يعني: يضم يديه بين ركبتيه وهو راكع، وأبو هريرة كان يرى أن الوضوء إلى الآباط مستحب، وابن عباس في بعض الروايات كان يرى نكاح المتعة وجوازه، فإذا أخذت كل هذه الأشياء خرجت بمذهب تكون فيه زنديقاً من الزنادقة؛ لأنك ستنقض عرى الدين عروة عروة، أما هؤلاء فعلماء أفاضل اجتهدوا فغفرت لهم زلاتهم في بحر فضائلهم.
فمثلاً: ابن عمر أفتى في ألف مسألة، وأخطأ في مسألة أو مسألتين فلا تذكر، وكذلك غيره، كما قال القائل: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع فلا تتتبع سقطات أهل العلم التي نوزعوا فيها وخالفوا الدليل، ونحن عندما نحكي الخلاف في المسألة نحكيه من باب الأمانة العلمية، أما إذا كنت تفتي القوم، فقل لهم مباشرة: غير جائز لك أن تأتي المرأة في الدبر، وتعطيهم الحاصل، لكن لو أنك تفتي طالباً يريد أن يتعلم ويعلم الناس، وحتى إذا وردت عليه شبهة يستطيع أن يدفعها.
وهناك مسألة أحرجتنا غاية الحرج، لكن ما دام أن الإخوة كلهم طلبة علم فنقصها: اتصل بي رجل فلاح طاعن في السن هاتفياً، وقال لي: يا شيخ! السلام عليكم.
فقلت: وعليكم والسلام ورحمة الله، ما تريد؟ فقال: واحد عمل الفاحشة مع البهيمة -والعياذ بالله- فذهبت وسألت في الجامع، فقال: تذبح الجاموسة وترميها، وأنا خائف من ربنا.
يعني: ماذا يصنع في اللحم؟ هل يرمي اللحم أو لا؟ لأن الجاموسة عزيزة عنده.
وإذا فصلت له، فهو لا يفهم الكلام، لكن بالنسبة لكم -طلبة العلم- في الباب حديث: (من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول، ومن رأيتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) ، هذا حديث عن رسول الله في إسناده راو يقال له: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وفيه نزاع بين تحسين حديثه وتضعيفه، ولكن إذا قررنا أن حديثه حسن بصفة عامة، فجل العلماء الذين ترجموا له ذكروا هذا الحديث في ترجمته، يعني: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب مشهور بحديث البهيمة، مع أنه روى أحاديث أخرى كثيرة جداً، لكنه اشتهر بهذا الحديث؛ لأنه حديث أحكام.
فالراوي إذا كان مكثراً وأتى المترجمون بحديث في ترجمته فيحمل إتيانهم بهذا الحديث على أنه من المستنكر عليه، كمثل: علاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، فـ العلاء أخرج له مسلم عدة أحاديث، لكن إذا جئت تقرأ ترجمته تجد العلماء أتوا في ترجمته بحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) ، والإمام أحمد يحكم على هذا الحديث بالنكارة.
الشاهد: أن من العلماء من حسن الحديث تبعاً للقاعدة الكلية أو للرأي الكلي أن عمرو بن أبي عمرو حسن الحديث، ومنهم من ضعف الحديث وقال: هو مستنكر على عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وإذا كان الراوي مقل جداً وجاءوا في ترجمته بحديث، فقد يكون أتي بالحديث لأنه هو صاحب هذا الحديث فقط.
إذاً: في المسألة رأيان؛ لأن الرأي مبني على صحة الحديث أو تضعيفه، وأنا الآن مقتنع أن الحديث ضعيف، وإن كان لي رأي قبل ذلك فأنا مقتنع بعد مراجعة الحديث أن حديث (فاقتلوه واقتلوا البهيمة) لا يثبت عن رسول الله بلفظ لهذا الرجل بهذا التفصيل فلن يفهم، وسيقول لي: يا شيخ! ماذا أعمل؟ فقلت له: اتركها، ولا تذبحها أبداً.
فقال السائل: يعني الشيخ الذي سألته في الجامع كذاب؟ سأذهب وأقول له كذا وكذا، وأسبه وأعمل فيه! فكيف أصنع؟ قلت له: الشيخ ليس كذاباً، لكن هناك مذاهب، شافعي وحنبلي ومالكي، فهو أخذ معك بالمذهب الشديد، لكن نتساهل ولا تذبحها.
فهناك فرق بين أنك تخاطب واحداً من العوام أو تخاطب طالباً من طلاب العلم، فيفهم المسألة بطريقة أخرى، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.