Q حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كاد أن يقيم الحد على رجل بريء، ثم اعترف المذنب، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً حسناً، ولم يقم عليه الحد، وأقامه على ماعز رغم أن النبي قد بين توبته، فكيف يجمع بين الحديثين؟!
صلى الله عليه وسلم من طريق علقمة بن وائل عن أبيه قال: (خرجت امرأةٌ إلى الصلاة فلقيها رجل فتجللها بثيابه فقضى حاجته منها وذهب، وانتهى إليها رجل فقالت له: إن الرجل فعل بي كذا وكذا، فذهب الرجل في طلبه، فانتهى إليها قوم من الأنصار، فقالت لهم: إن رجلاً فعل بي كذا وكذا فذهبوا في طلبه، فجاءوا بالرجل الذي ذهب في طلب الرجل الذي وقع عليها فجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: هو هذا، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه قال الذي وقع عليها: يا رسول الله! أنا هو، فقال للمرأة: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولاً حسنا، فقيل: يا نبي الله! ألا ترجمه؟ فقال: لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم) ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم: أقام الحد على ماعز.
الحديث الأول الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق الأول وبرأه، وقال له قولاً حسناً، وقال للثاني: لقد تاب توبةً لو تابها أهل المدينة لقبل منهم.
فكيف يترك الرسول صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على رجلٍ قد اعترف، مع أنه أقام الحد على ماعز؟ أما وجه إقامة الحد على ماعز فلا إشكال فيه؛ لأن ماعزاً اعترف فأقيم عليه الحد، لكن الإشكال الوارد في قصة هذا الرجل الذي وقع على المرأة.
فمن العلماء من تكلم في هذا الحديث من ناحية معناه.
ومنهم من يتساهل مفترضاً ثبوته.
فالذين يتكلمون فيه من ناحية معناه يقولون: إن الحد لا يقام إلا بأحد ثلاثة أشياء، إما بالاعتراف وإما الشهود، وفي حق المرأة يزيد: الحبل، كما قال أمير المؤمنين عمر: فإن الرجم حق في كتاب الله، إذا كان الحبل أو الاعتراف أو الشهود.
فالرجل ليس الحبل في حقه، فبقي في حقه شيئان فقط: إما الاعتراف وإما الشهود، فالرجل ليس في الحديث: أنه اعترف، وليس هناك شهود رأوه؛ لأن الرؤية لابد أن تكون صريحة وبضوابط، أما لو قال شخص: رأيت رجلاً وامرأة في غرفة مغلقاً عليهما، أو لقيت رجلاً وامرأة نائمين في لحاف وهما عريانيين، كل هذه ليست قرينة ولا تعتبر شهادة في إثبات الزنا، فالشهود لم يروا شيئاً من هذا، فهذا وجه الخلل أو الاستدراك على متن هذا الحديث من ناحيتين: أولاً: لم يثبت أن الرجل اعترف.
ثانياً: لم يثبت من طريق الشهود أنه زنى، فهذان وجهان.
الوجه الثالث: أيضاً تبرئة الرسول له، وترك الرسول إقامة الحد عليه، فمن العلماء من تكلم فيه من هذا الوجه، لكن على فرض ثبوت الحديث سنداً ومتناً كيف يجاب على الإشكال؟ فيجاب بأن هذا صورة مستثناة، استثناها النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره إماماً للمسلمين لقرينة بدت منه، فيكون هذا من الصور المستثناة التي لا تعمم بها الأحكام، والله أعلم، لكن في المتن وجه إشكال هذه صورته، وأيضاً نعرف أن من أهل العلم المعاصرين من حسن هذا الحديث، لكن لنا معه إن شاء الله وقفات ووقفات في مرةً قادمة بمشيئة الله.