{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا} [القلم:8-9] أي: طمعوا , وأحبّوا {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ، أي: تميل إلى دينهم وإلى آلهتهم فيمالئونك على ما أنت عليه شيئاً ما، (تدهن) : تميل، وقالوا: إن الدهن إذا وضع على شيء يلينه، أي: تلين فيلينون، أي: تلين فيسكتون عنك، (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) أي: تميل إليهم في معتقدك، ولم يلن لهم رسول الله في شيء من معتقده أبداً، إنما إذا كان هناك شيء من إظهار الموافقة بالأعمال ليس في العقائد، فقد يقر الشرع لك أن تتلفظ بكلمة الكفر والقلب مطمئن بالإيمان، أما الإيمان القلبي فلا مساومة فيه أبداً، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء:74] ولو ركنت إليهم شيئاً قليلاً {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء:75] .
الممالآت باللسان إن احتيج إليها فتقدر بقدرها، يعني: إن احتجت في المعاملات العامة إلى أن تستعمل شيئاً من التقية أو المداراة، فلك أن تصرح فيها بالقدر الذي يحتاج إليه وتنصرف، لكن المعتقد القلبي لابد أن يكون مطمئناً بالإيمان.
أما المعاملات بالجوارح فلك إن أكرهت على شيء أن تتلفظ حتى بكلمة الكفر، وقد أباح الرسول صلى الله عليه وسلم الكذب في بعض المواطن، لكن يحب أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان، {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] الأصل أن الطاعة على أنواع: فلا يطاع أحد في العقائد، إلا إذا أكرهت على التلفظ بكلمة الكفر، فيجوز لك أن تمضيها بقدرها، وإذا أكرهت على عمل من الأعمال فأيضاً بحسب نوع هذا العمل، وهذه المسألة فقهية واسعة تحتاج إلى محاضرة أو محاضرتين لبيان الجائز منها من المحظور.
وفقنا الله إلى كل ما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.