باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: يقول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12] الخشية هي: أشد الخوف، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] أي: إن العلماء يخافون ربهم خوفاً شديداً، فالخشية هي: شدة الخوف.
وفي قوله تعالى: (بِالْغَيْبِ) قولان للعلماء: القول الأول: أي: يخشون ربهم وهم لا يرونه، ويشهد لهذا المعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في القوم الذين يجلسون مجلساً فتحفهم الملائكة حتى يسدوا ما بينهم وبين سماء الدنيا: (فيسأل الله ملائكته: ماذا يقول هؤلاء؟ فيقولون: يعظمونك ويحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: هل رأوني؟ قالوا: لا ما رأوك يا رب! قال: كيف لو رأوني؟) .
فمن العلماء من قال: إن معنى: (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي: يخشون ربهم وهم لا يرونه سبحانه وتعالى.
والقول الثاني: أي: يخشون ربهم وهم غيب عن أعين الناس، وهم في الخلوات والفلوات منفردون بعيدون عن الناس، فيراقبون الله في السر ويراقبون الله في العلن، فلا يراءون الناس ويظهرون أمامهم الأعمال الصالحة، إنما سرهم وعلانيتهم سواء.
وعلى هذا فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} فيه قولان: القول الأول: أي: يخشون ربهم وهم لا يرونه.
القول الثاني: أي: في حالة غيابهم وبعدهم عن الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) .
{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أفادت هذه الآية أن الإيمان والخشية سبب في مغفرة الذنوب، وسبب أيضاً في إثبات الأجور.
هناك أعمال يكفر الله بها الذنوب؛ فالصلوات الخمس مكفرات، والعمرة مكفرة، والجمع مكفرات، والحج مكفر للذنوب، كذلك حسن الخلق يكفر الذنوب، ومن المكفرات أيضاً الإيمان والخشية، فالإيمان بالله والخوف الشديد من الله سبحانه وتعالى سبب في تكفير الذنب، وسبب في تفريج الكرب، ألا ترى إلى أحد الثلاثة الذين آواهم المطر إلى كهف وسدت عليهم فتحته بصخرة، فتوسل أحدهم إلى الله بخشيته لله لما قعد بين رجلي ابنة عمه، فقالت له: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام عنها، وفرج الله عنهم بذلك، فالخشية سبب في مغفرة الذنوب، وسبب في إثبات الأجر الكبير: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} .