ترد هنا مسألة وهي: السنة التي بعد الجمعة.
ذكر البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين) ، وهذا التقييد غير جيد وغير صحيح، وبعد تحرير القول في هذه المسألة فالحاصل فيها أنك إن شئت صليت أربعاً في المسجد أو اثنتين، وإن شئت صليت في البيت أربعاً أو ركعتين، والتقييد هكذا ليس بمرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي يحضرني الآن على ما يغلب على ظني أنه من فعل ابن عمر نفسه، وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالشاهد: أنك تصلي إما ركعتين في البيت أو أربعاً، وإما ركعتين في المسجد أو أربع ركعات.
{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9] ، الخيرية هنا لا تقتضي مجرد التفضيل، فقد تقول مثلاً: زيد خير من عمرو، فقولك: زيد خير من عمرو تفيد أن عمراً فيه خير، لكن زيد أفضل من عمرو، أما قوله تعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة:9] لا يفيد أن هناك خيرية في ترك الجمعة أبداً، بل قال الرسول: (من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً طبع الله على قلبه) ، والأحاديث في ذم التخلف عن صلاة الجمعة قد تقدمت، وهي كثيرة مشهورة جداً، ولكن كما قال الله سبحانه: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] ، فأهل النار ليسوا في شيء من الخيرية بحال.