{يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي} ، ما هي صورة إيذاء الإسرائيليين لموسى صلى الله عليه وسلم؟ آذوه عليه الصلاة والسلام في رسالته، وآذوه عليه الصلاة والسلام في عرضه، وآذوه عليه الصلاة والسلام في خلقه.
فآذوه في رسالته بقولهم: {جْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] ، وآذوه في رسالته بقولهم كذلك: {هَذَا إِلَهُكُمْ} [طه:88] لما تبعوا السامري على عبادة العجل، وآذوه في رسالته بقولهم كذلك: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة} [البقرة:55] ، وآذوه في رسالته بجملة من الأمور في الدين.
وفي العرض كذلك، فمنهم من اتهمه بأنه قتل هارون! وأنه زنا بامرأة! وفي خلقه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن موسى النبي كان رجلاً حيياً، فكان يستحي أن يغتسل عرياناً، فقال الإسرائيليون: ما يمنع موسى من الاغتسال عرياناً إلا أن بجسمه أُدره -يعنون أن إحدى خصيتيه أعظم من الأخرى- لذلك يمتنع عن الاغتسال أمامنا عرياناً، فالله سبحانه وتعالى أراد لتبرئته فذهب يغتسل وأبعد، واستتر بحجر ووضع ثيابه عليها، فشاء الله -والله على كل شيء قدير- أن تفر الصخرة بثياب موسى ومعه العصا، فجرى وراء الحجر يضربه ويقول: ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! حتى رآه الإسرائيليون على أكمل خلق، وعلى أتم خلق، وعلى أجمل خلق، ففيه يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69] ، هكذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما العقلانيون، والأصح ألا يقال عنهم: العقلانيون، بل هم أهل الجهل والغباء، الذين جهلوا قدرة ربهم سبحانه وتعالى، وللأسف تبعهم فريق من الكتّاب الذين كتبوا في الدين وفي الإسلام مقالات؛ إذ أنكروا كل ما لا تتصوره عقولهم، فحكموا ظلماً وعدواناً وكذباً وزوراً وبهتاناً على هذا الحديث بالضعف، لا لشيء في إسناده، ولكن قالوا: كيف يفر الحجر؟! وهذا منهم عجيب! عجيب جهلهم بقدرة الله سبحانه الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون! ألم يجعل ربنا سبحانه النار برداً وسلاماً على إبراهيم؟ ألم يجعل ربنا سبحانه الجبال تأوب مع داود عليه الصلاة والسلام، ويلين لداود الحديد عليه الصلاة والسلام؟ فالجهل بالله وبقدرة الله هو الذي حملهم على هذا الغباء، وهو الذي حملهم على هذا النفي.
الشاهد: أن هذه إحدى صور الإيذاء التي آذى بها الإسرائيليون نبي الله موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم.