قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} وهل المراد بقتل النفس هنا: الانتحار أو جلب ما يتسبب في إهلاكه في الدنيا أو الآخرة؟ الاحتمالان واردان، فالنهي عن قتل النفس جاء عن رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (من تحسّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً -وإن كان البعض من العلماء يعلّ كلمة مخلداً- ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يقتل بها نفسه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ، وكذلك روي عن عمرو بن العاص أنه كان في سرية مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم الفجر، وكانت الليلة شديدة البرد، وكان قد أجنب فتيمم وصلى بالناس، فكأنهم أنكروا عليه، فلما أتوا إلى رسول الله وعاتبه الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: ذكرت قول الله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .
لكن هذا الأثر عن عمرو بن العاص معلول بعلة قادحة مؤثرة فيه.
ونحوه معلول كذلك حديث: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) ، فهو كذلك معلول بعلة مؤثرة قادحة فيه.
{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} الآية محمولة إما أن تجلب آثاماً لنفسك فتهلك وتردي بها نفسك في النار، أو تقتل نفسك في الدنيا.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فيه دليل على أن الله أرحم بعبده من نفسه، فهو سبحانه حافظ لك على بدنك، فدل ذلك على أن الله أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من والدك، فالله قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء:11] ، فالله أرحم بالولد من أبيه، بنص الآية الكريمة: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} ، ويذكر الله الولد بأبيه: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36] ، فالله رحيم بعباده أرحم بهم من أنفسهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله أرحم بعبده من هذه بولدها) ، فنحمد الله على ذلك.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وجزاكم الله خيراً.