تفسير قوله تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)

قال تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة:7] ، فهؤلاء القوم الذين عاديتموهم لله قد تكون عداوتكم لهم سبباً في إخراجهم من الزيغ والضلال الذي هم فيه، واتجاههم إلى الإيمان، فهذا الفعل تدل عليه القاعدة التي تقول: (الزجر بالهجر) ، فاهجروهم وتبرءوا منهم، فإنكم إن فعلتم ذلك سيفكرون في أمرهم: لماذا هجرنا إخواننا؟! لماذا قاطعونا وابتعدوا عنا؟! لماذا فاصلونا ولم يحضروا مجالسنا؟! فكل هذه التساؤلات تثار في أذهان العقلاء، وتثار في أذهان من أراد الله لهم الهداية، فيفكروا، فقد يرجح رجل منهم وجهتكم التي أنتم عليها، فيأتي إلى طريقكم: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة:7] ، على ذلك، فالذي يقذف العداوات هو الله، والذي يقذف المحبات في القلوب هو الله سبحانه وتعالى.

وفي الحديث الذي حسنه بعضهم وإن كان في التحسين نظر لكن المعنى له وجاهته: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما) ، يعني: لك أن تعادي، لكن لا تبالغ في العداوات كل المبالغة بل اترك شيئاً لعله يرجع منه، وكذلك في أبواب المحبات، والناظر في السير سواءً في أبواب المحبات أو العداوات أو الحروب أو القتال يرى العجب من هذا! ذكرنا في الدرس السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل علياً والمقداد والزبير إلى روضة خاخ، حتى يأتونه برسالة حاطب التي أرسلها مع امرأة إلى المشركين، فانطلقوا جميعاً: علي والزبير والمقداد تعادي بهم خيولهم، حتى ينفذوا أمر رسول الله، وأتوا برسالة من المرأة إلى رسول الله، فانظر إلى اتحاد الزبير مع علي في هذا الموقف.

وأيضاً لما قتل حمزة في أحد، ومثل به أيما تمثيل، حزنت أخته صفية بنت عبد المطلب رضي الله تعالى عنها، وهي عمة علي بن أبي طالب، وأم الزبير بن العوام رضي الله عنهما.

فالشاهد: من الذي أخبر صفية بما حل بـ حمزة، وقد جاءت تسأل عن حمزة وتبحث في القتلى عن حمزة، فإذا رأته بهذه الصورة ربما انزعجت؟ فقال علي: أخبر أمك يا زبير! وقال الزبير: بل أخبر عمتك أنت يا علي! الشاهد: أنهما متحدان في الموقف، وكلٌ منهم يقول: إني أخاف على عقلها.

وأيضاً لما ترك عمر الأمر شورى في ستة وهم: علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، تنازل الزبير بالخلافة لـ علي، ومع ذلك يشاء الله سبحانه أن يقتتلان فيما بعد، وأحد جنود علي يقتل الزبير! فهذه أمور يدبرها ربنا.

كذلك في باب العداوات وكيف تقلب، هذا سهيل بن عمرو أتى إلى صلح الحديبية ممثلاً عن المشركين، والرسول يقول لـ علي: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم) ، فوقف سهيل معترضاً على هذه اللفظة وقال: لا تكتب: (الرحمن الرحيم) ، اكتب: باسمك اللهم، ثم يكتب علي: (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فيقول: لا تكتب: رسول الله، لا نصدق لك برسالة!) ، وعمر ينظر إلى هذا الرجل الذي صدرت منه هذه المقولات ويريد أن يقطع لسانه، ويعرض عمر لـ أبي جندل كي يقتل أباه، ويقول: لو كان أبي لفعلت به، يهيج أبا جندل كي يقوم ويقتل أباه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي بعض الروايات والآثار وينظر في أسانيدها أن الرسول قال لـ عمر: (لعل الله أن يسمعك منه مقالة تقر بها عينك) ، ويشاء الله أن يكون هذا، فبعد ذلك أسلم سهيل، ولما مات النبي عليه الصلاة والسلام، أراد أهل مكة أن يرتدوا، فقام سهيل فيهم خطيباً وثبتهم.

فربنا سبحانه قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة:7] .

وكذلك ورد في بعض الآثار أن أول من حارب المرتدين هو أبو سفيان بن حرب لما كان راجعاً من بعض الأسفار، وعلم أن قوماً قد ارتدوا بعد وفاة رسول الله فحاربهم كما ذكر ذلك صديق حسن خان في فتح البيان وغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015