تفسير قوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله.)

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:20] ، الأذل: المهان الصاغر.

وقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21] ، كتب هنا بمعنى: كتب في اللوح المحفوظ، وقضى في اللوح المحفوظ.

{لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21] ، قال العلماء: الغلبة على قسمين: غلبه باللسان والبيان، وغلبة بالسيف، فالرسل الذين أمروا بقتال غلبوا جميعهم، وكانت لهم العاقبة في آخر أمرهم، كانت الأيام بينهم وبين عدوهم دولاً، ثم كانت العاقبة والنصر لهم.

أما الرسل أو الأنبياء الذين لم يؤمروا بقتال فغلبوا باللسان والبيان، ومنهم من قتل ومنهم من مات، قال سبحانه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87] ، وقال الله سبحانه في كتابه الكريم: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181] ، فقتل فريق من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لكنهم لم يؤمروا بقتال، فغلبوا بالحجة والبيان، وهذا وجه دفع الإشكالات في مثل هذا الموطن، ونحوه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173] ، مع أن منهم من قتل، قال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146] * إلى قوله: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:148] .

قال سبحانه: ((كَتَبَ اللَّهُ)) [المجادلة:21] ، أي: في الكتاب الذي قضاه، في اللوح المحفوظ، وقدر سبحانه وقضى {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] (قوي) أي: على نصرة أوليائه، (عزيز) أي: منيع الجناب، عظيم السلطان، لا يغالب ولا يمانع من شيء أراده سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015