قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2] أي: الذي يقول لزوجته ما كان أهل الجاهلية يقولونه: أنت عليّ كظهر أمي، أي: أنت محرمة عليّ كما أنه يحرم عليّ أن آتي أمي وأجامعها، فأنت كذلك، وعبر بالظهر؛ لكونه المركوب، وإلا الذي يركب هو البطن في الغالب.
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2] ، في قوله: (من نسائهم) إبطال لكل ظهار على غير الزوجة، فإذا قال رجل من الناس: فلانة عليّ كظهر أمي إن تزوجتها، فلا اعتبار لهذا الكلام؛ لأنها ليست من نسائه، وربنا يقول: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2] ، ثم إنه قبل أن يتزوجها هي محرمة عليه، إن لم يكن التحريم كتحريم الأم، فاستفيد من الآية: أن المظاهر من غير امرأته لا اعتبار لظهاره، وكذلك مطلق غير امرأته، كمن يقول: فلانة طالق إن تزوجتها، كذلك يأخذ نفس الحكم.
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة:2] أي: الذي يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، كذاب، فزوجته ليست هي أمه.
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُم} [المجادلة:2] يعني: أمك هي التي ولدتك، ولا يعكر على هذا قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتنا في المحرمية، ولسن أمهاتنا من النسب، ولكنهن محرمات علينا تحريماً أبدياً كتحريم الأمهات، كما قال تعالى: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب:53] ، لكن ليس مقتضى هذه المحرمية أننا نراهن؛ فتحريم رؤيتهن استنبط من دليل آخر ألا وهو: {َإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ} [الأحزاب:53] .
قال تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُم} [المجادلة:2] ، ويستنبط من هذه الآية منع التبني بالنسبة للنساء، فكون امرأة تأتي وتلتقط طفلاً وتنسبه إليها على أنه لها ولد فهذا باطل، فكما أن الله حرم التبني بالنسبة للرجال بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] ، كذلك الأمر بالنسبة للنساء.
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ} [المجادلة:2] أي: المظاهرون الجهلة، {لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] أي: يقولون قولاً كذباً ومنكراً ومزوراً.
{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] ، فالظهار فضلاً عن الأحكام الفقهية المترتبة عليه هو في نفسه إثم، لكونه قولاً منكراً وقولاً وزوراً.