قال تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء:24] ، قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) ما المراد به؟ البعض يقولون: المراد به نكاح المتعة، لكنه نسخ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء:24] يعني: التي تتمتع بها من النساء فرض عليك أن تدفع إليها الأجر.
إذاً: من العلماء من يقول: إن هذا كان في نكاح المتعة الذي كان جائزاً في أول الأمر ثم نسخ.
ومنهم من يقول: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء:24] أي: الصداق، وهذا في: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) أي: بالزواج.
وعلى أي تفسيرٍ كان فنكاح المتعة منسوخ، كما هو رأي جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة، فنكاح المتعة كان في أول الإسلام وفي أواخره أيضاً: وكان الرجل إذا تقابل مع امرأة فأعجبته ولم تكن ذات زوج، فإنه يتفق معها على أن يتعاشرا يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل في مقابل قدر من المال أو الأشياء العينية التي يعطيها لها، ثم بعد ذلك يفترقان من غير طلاق إذا انتهت المدة المتفق عليها، وهذا النكاح كان جائزاً ثم نسخ.
قال: سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه: تقابلت أنا وابن عم لي بامرأةٍ بكر عيطاء -بكر يقصد: كالناقة- فعرضنا عليها أنفسنا أنا وابن عمي، فقالت: ماذا تبذلان؟ قلت: أن أبذل بردي، أي: ثوبي أو شيء مشابه للثوب، وقال ابن عمي: وأنا أبذل بردي، وكان برد ابن عمي أجمل من بردي -يعني: ثوبي كان قديماً جداً وثوب ابن عمي كان جديداً- ولكني أحسن من ابن عمي وأجمل، فجعلت تنظر إليّ وإلى بردي، فتراني جميلاً وترى ثوبي مهلهلاً، وتنظر إلى ابن عمي وإلى برده، وفي آخر الأمر قالت: هذا بردٌ جيد، وهذا بردٌ لا بأس به، وتعاشرت معها ثلاثاً، ثم سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: (من كان تمتع من هذه النساء بشيء فليتتاركا؛ ففارقتها) .
جاء تحريم نكاح المتعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة مواطن: فقد جاء أنه حرم المتعة عام خيبر، وعام الفتح، وفي غزوة أوطاس، وفي غزة تبوك، وفي حجة الوداع، لكن الرواية أنه حرمها في غزة تبوك ضعيفة، والرواية التي حرمها في حجة الوداع ضعيفة أيضاً، والثابت أنها حرمت في خيبر، وغزوة أوطاس، وعام الفتح، فقال بعض العلماء: إن الصحابة قد تمتعوا في عهد أبي بكر: قال جابر: (متعتان نهى عنهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متعة الحج: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] ، ومتعة النساء) .
وهذا ثابت إلى جابر رضي الله عنه، لكنه قد أشكل على من قال: إن المتعة حرمت عام أوطاس، فقال: لو كانت حرمت عام أوطاس فلماذا استمتع الناس في حياة أبي بكر الصديق؟ ووصفوا الروايات التي فيها: أن المتعة حرمت في خيبر، ثم حرمت في الفتح، ثم حرمت في أوطاس أنها مضطربة لكون هذه بعد تلك، وقالوا: فإذا كانت حرمت في خيبر فلماذا حرمت مرة ثانية في الفتح، ولماذا حرمت في أوطاس؟ وهذا الرجل سبرة بن معبد تمتع في أوطاس وهي بعد الفتح؟ فأجيب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها، ثم حرمها، ثم أباحها، ثم حرمها إلى الأبد.
أما ما ورد أن بعض الصحابة تمتعوا في حياة أبي بكر رضي الله عنه؛ فلربما فعلوا ولم يصلهم النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بالحجة الدامغة من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي نهى عن جملة أشياء ولم تبلغ كبار الصحابة، وقد نهى رسول الله عليه والصلاة والسلام عن التطبيق في الصلاة.
والتطبيق: هو أن يضع الرجل يده اليمنى مع اليسرى مضمومتين بين فخذيه وهو راكع، وفعل ذلك ابن مسعود وخفي عليه حتى فعله وهو في زمن أبي بكر، حتى قال سعد بن أبي وقاص: (يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنا نفعل ذلك ثم نهينا عنه) .
وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم المتعة إلى الأبد، وكون بعض الصحابة فعلها في حياة عمر، فهذا لا يطعن فيهم؛ لأن الصحابي قد لا يبلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبلغ صحابة آخرين، وهذا له جواب يجاب به على هذه المسألة.
وبعض الصحابة كـ عبد الله بن عباس أخذ من كون النبي صلى الله عليه وسلم أحلها ثم حرمها ثم أحلها ثم حرمها فقهاً، قال: هذا يرجع إلى إمام المسلمين إن شاء أباحها للناس وإن شاء حرمها، لكن ردّ عليه ردٌ شديد في هذا الباب خاصة من قبل علي، فقال له: يا ابن عباس كيف تفتي بإباحة نكاح المتعة؟! إنك رجلٌ تائه! لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية عام خيبر ونكاح المتعة، ولذا وصفه علي رضي الله عنه بأنه رجلٌ تائه.
والعجب من الشيعة البغضاء أنهم يدعون محبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلي ينهى أشد النهي عن نكاح المتعة، كما في الصحيحين وغيرهما، وأنه يصف عبد الله بن عباس بأنه رجلٌ تائه لما أباح نكاح المتعة، ولكنهم قومٌ متبعون للأهواء لا للدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كانت بين ابن الزبير وبين ابن عباس أيضاً مشادة في هذا الباب.
قال ابن الزبير معرضاً بـ ابن عباس -وكان ابن عباس كبر فعمي- ما بال أقوام أعمى الله بصيرتهم كما أعمى بصائرهم يفتون بجواز نكاح المتعة؟! فقال له عبد الله بن عباس: والله إنك لجلف جافٍ، ولقد فعلت على عهد إمام المتقين صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير: جرب بنفسك فوالله لئن فعلت لأرجمنك كما رجم قبر فلان، فاشتدت المسألة بينهما في هذا الصدد وجمهور الصحابة على منع نكاح المتعة منعاً باتاً؛ لأن النبي حرمها إلى الأبد عليه الصلاة والسلام.