قال تعالى في بيان المحرمات المحصنات بعد أن ذكر المحرمات بالنسب وهن سبع، ومن الرضاعة وهن سبع، وبالمصاهرة وهن أربع.
قال سبحانه: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] أي: غير المذكور كله حلال لكم، وقوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) تفيد: أن كل النساء اللواتي لم يذكر تحريمهن في الآية حلال، ولكن كما لا يخفى أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن فتخصصه أحياناً، وتنسخه أحياناً أخرى، وتقيده أحياناً، فالسنة أحياناً تزيد عليه أحكاماً أخرى، فمثلاً: يقول الله سبحانه في مسألة الإشهاد: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] ، أضيف صنف ثالث، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد ويمين الشاهد، إذا لم يوجد رجل وامرأتان ولا رجلان، فيأتي الشاهد ويقسم، فمسألة: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام:145] ، معنى الآية: ليس في الشيء الذي أوحي إلي في القرآن شيء محرم على آكل يأكله إلا ثلاثة: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:145] ، لكن السنة أضافت أشياء أخر محرمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حرم كل ذي مخلبٍ من الطير، وكل ذي ناب من السباع، فأضيف إلى المحرمات شيءٌ آخر.
كذلك في النكاح، قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) يفهم كل مسلم: أن النسوة حلال إلا اللواتي ذُكرن، لكن جاءت السنة بمنع أصناف من النساء، ومن هذه الأصناف: الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، فهذا لم يذكر في كتاب الله، ولكن في المتفق عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها) .
ففي هذه تحريم للجمع بين المرأة والعمة أو المرأة والخالة.
والعلماء يقولون: إن هذا التحريم خشية القطيعة التي تحدث بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، ومن هنا: إذا كانت هناك امرأتان متصادقتان ومتحابتان، فهل يستحب لهما أن يتزوجا برجلٍ واحد أو يكره لهما ذلك؟! يكره ذلك خشية القطيعة؛ لأنه لو كان مستساغاً لاستسيغ الجمع بين المرأة وأختها وهن أقرب مودة من المرأة وصديقتها.
ويستنبط من قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] ، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها) ، يستنبط: أن المرأتين إذا كانتا متصادقتين لا يتزوجا برجل واحد؛ لأن الغيرة تنبت فيهما، ويحدث بينهما شيءٌ مما يحدث بين سائر النساء، فلسن هن خيرٌ من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التي كسرت إحداهن صحفة أخرى وأسقطت الطعام على الأرض أمام رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قال الله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] ، قيل: إنه أضيف إليها الجمع بين المرأة وعمتها: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] ، استثني منه: الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.