Q مسألة الإشارة بالأصبع في الدعاء؟
صلى الله عليه وسلم روى أبو داود ومسلم أنه: (رأى عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان رافعاً يديه يدعو بها في خطبة الجمعة، فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو وما يزيد على أن يشير بأصبعه) ، وهذا الحديث في الحقيقة فهمه مشكل شيئاً ما، فـ عمارة في الحقيقة صحابي مقل، رأى بشر بن مروان -وهو أمير- يدعو في خطبة الجمعة رافعاً يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين، (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر لا يزيد على أن يشير بإصبعه) هذا الحديث كيف سيفهم؟ حمل هذا الحديث بعض العلماء على ظاهره، لكن أولاً عمارة بن رؤيبة ما أورد أن الرسول نهى أن ترفع يديك، ما أورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: لا ترفع اليدين معاً أثناء الدعاء لكن عمارة رأى أن هذا إحداث لكون بشر بن مروان خالف مكان رفع الإصبع ورفع اليدين، لكن هل الرسول صلوات الله وسلامه عليه نهى عن رفع اليدين معاً أثناء الدعاء؟ أم أن عمارة رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منظر فبنى عليه أنه لا يجوز خلاف هذا المنظر أو هذا المشهد؟ وعلى كل، ذكر العظيم أبادي في شرحه لسنن أبي داود في عون المعبود معنيين للحديث، وهناك اختلاف في رواية هذا الحديث، فبعض الروايات أنه قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه في الخطبة) ، ورواية أخرى تقول: (يشير بأصبعه في الدعاء في الخطبة) ، فالرواة الأكثر والأثبت رووا بلفظ: (يشير بأصبعه في الخطبة) ، وبعض الرواة -ولا تعارض- قيدها بالدعاء، أي: بعض الرواة أطلق، وبعض الرواة قيد، فمن العلماء من قال: إن الأصبع يشار بها أثناء الدعاء، ويكره أن تمد يديك، هذا قول بعض العلماء، واعترض عليه بوجوه: قالوا: لم يكن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يشير بأصبعه عند الدعاء، فما ورد في أي حديث أنه كان يشير بأصبعه عند الدعاء إلا في هذا الحديث.
ثم إن عموم المرويات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدعاء أنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
ثم شيء ثالث، قالوا: من الأوجه لتوجيه هذا الحديث هو: أن هذا من شأن الخطباء الذين يقبلون ويدبرون بأيديهم في خطبهم كي يلفتوا أنظار السامعين، فاختار شمس الحق العظيم أبادي في تعليقه هذا الوجه وحاصل قوله: إن بشر بن مروان، كان يفعل هذا، ويشير باليدين معاً كإيضاحات لمن يستمعون خطبة الجمعة، فيشير يميناً ويساراً ومقبلاً ومدبراً، ويفتح يديه ويغلقهما كما يفعله سائر الوعاظ في خطبهم، فنهاه عمارة بن رؤيبة عن هذا النوع من الإحداث وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه فقط، فالمعنى الأول: أنه يشير بأصبعه على ظاهره، أي: أنك إذا دعوت فإنك تشير بإصبعك أثناء الدعاء، ولا تفتح اليدين، واعترض على هذا المعنى من وجوه: أولاً: الرسول لم ينه عن رفع اليدين معاً، وإنما هذا فهم فهمه عمارة بن رؤيبة.
ثانياً: أن أكثر الرواة رووا الحديث مطلقاً بالخطبة، وليس مخصوصاً بالدعاء.
ثالثاً: أن هناك وجهاً آخر وهو أن بشر أحدث شيئاً لم يكن من هدي عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من الإيضاحات باليد إقبالاً وإدباراً وتأخراً وتقدماً ورفعاً وخفضاً، فهذا الذي استنكره عمارة على بشر بن مروان.
وعلى كلِّ: فالمسألة من أصلها استنكار من عمارة بن رؤبية لـ بشر، فـ عمارة هو الذي رأى أن هذا مستنكر، ويعاقب بالتقبيح، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، فلو جاء شخص وأقبل بيديه وأدبر بهما في الخطبة، فهل نقول له: لعن الله هاتين اليدين، بناءً على أن بعض الصحابة رضي الله عنهم فهم هذا الفهم؟ هذا لو نقله صحابة مجالسون للرسول صلى الله عليه وسلم عن الرسول في عموم خطبه لقبلنا منه هذا القول، لكن هذا صحابي رضي الله عنه مقل، صحيح أن قوله ثقة لا شك؛ لكنه مقل، وقد جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه ما عاشره كبير معاشرة، ومثل هذا حديث الرجل الذي جاء والرسول عليه الصلاة والسلام فاتح الأزرار، فذهب هذا الرجل -وهو معاوية بن قرة - وما أغلق أزراره في صيف ولا شتاء، فهو مأجور على كل حال، لكن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ما نقلوا هذا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فلنفهم الأحاديث على وجهها ليست الصحيح خير لنا من أن نلعن ونقبح، والصحابي له اجتهاده في اللعن أو التقبيح، ولعله رأى صورة من الصور ليست مرئية لدينا، إذ الأمويون كانوا مشهورين بالإحداث في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.