الأستاذ والمعلم هو القدوة الصالحة

جاء تلميذ يوماً لأستاذه وقال: يا أستاذي! أريد أن تعلمني اسم الله الأعظم، الله أكبر شيء عظيم! التلميذ يفكر في مثل هذا.

الأستاذ قال له: يا بني أنت تظن أن المسألة سهلة، وأن العملية بسيطة؟! من الذي يعرف اسم الله الأعظم؟ ومعظم الأحاديث التي وردت وحددت الاسم الأعظم ضعيفة، لكن الأستاذ كان قدوة أراد أن يقنع تلميذه بالدليل والمنطق، وبالحجة وبالواقع، ما نهره وما طرده، وما سفه سؤاله، كلا، وهذا هو المربي الناجح، إياك أن تتهرب من أسئلة ولدك أجب، وإن عجزت عن الجواب فسل أهل العلم لتجيب على ولدك إجابة صادقة صحيحة، ابنك يقول لك: أين الله؟ تقول له: الله في كل مكان، تبقى داهية، وكثير من الدعاة لو سألته: أين الله؟ يقول: والله قرأتها الليلة الماضية في كتاب مطبوع لعالم كبير بعيني يقول: أين الله؟ ويجيب على نفسه: في كل مكان.

والجارية التي لم تدخل جامعة من الجامعات، ولا كلية من الكليات، ولم تحصل على الماجستير، ولم تأخذ الدكتوراه، لما سألها الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال لها: {أين الله؟ قالت: في السماء) .

{أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْض} [الملك:16] الآيات، قال: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى وليها وقال: أعتقها فإنها مؤمنة) .

الجارية لا درست في جامعة ولا كلية، ولا معها ماجستير ولا دكتوراه، أين الله؟ قالت: في السماء، لكن اليوم لو سألت كثيراً: أين الله؟ يقول لك: في كل مكان، يا أخي! اتق الله، لا تجعل ذات الله في أماكن الأقذار والأنجاس وإنما: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] بعلمه بسمعه ببصره بقدرته بإحاطته بمعيته، ولا تقل بذاته لتقع فيما وقع فيه أهل الحلول والاتحاد.

حتى أني قرأت يوماً لرجل من هؤلاء، أنه دخل ليزور رجلاً من العلماء، وكان الرجل العالم عنده غنم أعزكم الله، فهو جالس فسمع غنم عالمه تعير؛ فرد عليها العالم قائلاً: لبيك يا سيدي!! الله! نظر الرجل حوله فما وجد أحداً فقال له: هل يوجد شيء؟ قال له: ألا تعلم أن الله قد حل فيها وينادي عليّ الآن؟! المسلم البسيط الفلاح لا يعرف شيئاً أبداً إلا رب العزة بالفطرة، وليس عنده إلا ملكة الفطرة، فقال: بالله هل ترضى ذلك عن ملك الملوك وجبار السماوات والأرض جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ؟ سئل إسحاق بن راهويه: يا إسحاق! كيف تزعمون أن الله يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويدع عرشه؟ فقال إسحاق: يا هذا! إن كنت لا تؤمن بإله يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأول، فنحن نؤمن به جل وعلا، واعلم بأن الله قادر على أن يتنزل من عرشه ولا يخلو منه عرشه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] .

لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام، ولا يحيطون به علماً، استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته؛ الكل محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته.

فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

عظم ربك جل وعلا، عظم الله جل وعلا، واعرف قدر الله تبارك وتعالى، والله جل وعلا يقول: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91] .

ووالله ما تجرأنا على أن نتحدى الله وشرع الله، وعلى أن نتحدى سنة رسول الله، وعلى أن نعصي الله في الليل والنهار إلا يوم أن غاب في قلوبنا قدر العزيز الغفار جل وعلا.

ولذا قال أحد السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

هذه العبارة عجيبة يا إخوان! لا تنظر إلى صغر المعصية، يا أخي! فالذنوب إذا وقعت من المؤمن رآها في عينه كالجبل، أما المنافق فهو الذي يرى ذنبه كذبابة سقطت على أنفه، فقال بها هكذا فطارت، لكن المؤمن وقاف عند ذنوبه ومعاصيه.

ورحم الله ابن المعتز إذ يقول: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى أيها الحبيب الكريم! جاء التلميذ لأستاذه ليطلب منه أن يعلمه اسم الله الأعظم، الأستاذ، فما طرده ولا نهره وإنما قال له: سأعطيك أمانة تذهب بها إلى فلان، فإذا رجعت علمتك، قال له: فما هي الأمانة؟ فأحضر أستاذه فأراً ووضعه في صندوق مغلق بحيث لا يظهر الذي فيه، وأعطاه وقال له: هذه الأمانة اذهب بها إلى فلان وعندما ترجع أعلمك.

أخذ التلميذ هذا الصندوق، وبداخله الفأر، فجعل الفأر يلعب ويتحرك في الصندوق فالولد تعجب ماذا يوجد في الصندوق؟! ودائماً الممنوع مرغوب.

وهذه ركيزة في أي إنسان فهو دائماً يريد أن يعرف ما الذي خلف الجدار، فالولد مسكين! هو حامل للصندوق وإذا الفأر يلعب فيه، فهو يقول: ما هذا الذي في الصندوق؟ إذاً: هناك شيء لو فتحت الصندوق وعرفت الذي فيه ثم أوصلت الأمانة وهل سيبقى بعد هذا أميناً يا إخوان؟! لا.

ففتح التلميذ غطاء الصندوق، فهرب الفأر ورجع الغطاء على الصندوق ثم رجع إلى أستاذه فقال: يا أستاذ! هل يوجد أحد في الدنيا يهدي لأخيه فأراً؟ وهل هذه هدية؟ فقال له: أنت رأيت الفأر قال له: هو نط من الصندوق وجرى، فقال أستاذه: اسمع -وهذا محل الشاهد- يابني! إنك لم تستأمن على فأر فكيف تستأمن على اسم الله الأعظم؟! هنا التربية يا إخوان بالقدوة، المعلم ما نهره، لكن علمه درساً عمره ما سيأتي مرة ثانية يسأل هذا السؤال.

وهذا أستاذ يريد أن يربي أولاده وطلابه وتلاميذه الصغار على المراقبة لله، يريد أن يعلمهم درساً عملياً، فقال لهم: يا أولاد! كل واحد يأخذ هذه الدجاجة ويذهب يذبحها في مكان، بشرط أن لا يوجد أحد في المكان ينظر إليه أبداً، قالوا: هذا أمر سهل.

فالناس كانوا يربون أبناءهم على المراقبة واليوم القانون يريد أن يربي الناس على مراقبة المهازيل العمي من البشر، يعني: أنا أذكر وأنا في الجيش كنت أذهب فألقي الكلمة في طابور الصباح، ويأتي الأول برتبة صغيرة فلا يبالون، فإنا أتى صاحب الرتبة الكبيرة يكثر الصمت ويسود الهدوء، فعلى قدر الرتبة يسود الهدوء، حتى يأتي من هو أعلى رتبة والنجمات تلمع فالكل يسكت، سبحان الله! فإذا ذهب هذا العميد وركب سيارته تجد الذي يقوم والذي يقعد والذي يلف، ويرتفع الهرج والمرج حتى يسود الطابور كله.

فسبحان الله! جلست مع بعض الإخوة وأردت أن أعملهم من خلال هذا المشهد كيف يجب علينا أن نربي قلوبنا على أن تراقب الله وحده، فقلت لهم: يا إخوان! انظروا الضابط الكبير الذي يمشي ما الذي يحصل؟ وقلت لهم: أيش رأيكم في الألوف المؤلفة التي تقف وراء الإمام في صلاة الجمعة، الإمام يقف فيلتفت للصف الأول فقط ويقول: استووا اعتدلوا استقيموا ثم يعطي المأمومين ظهره، فإذا ما أعطاهم ظهره هل ينصرف منهم أحد؟ هل يجلس منهم أحد؟ هل يخرج منهم أحد؟ لأن هؤلاء ما وقفوا مراقبين للإمام، بل وقفوا مراقبة لله جل وعلا! فنحن نريد أن نربي قلوبنا على أن نراقب الله لا على أن نراقب عين القانون الأعمى؛ لأن القانون لو نظرنا في مكان وفي ساعة، فلن يرانا في مكان آخر وفي ساعة أخرى، رب قلبك ونفسك وابنك وزوجتك وبنتك على مراقبة الله جل وعلا.

المهم: كل تلميذ الدجاجة، فبعضهم ذهب تحت شجر السلم، وبعضهم دخل الغرفة وقفل على نفسه، وكل منهم ذهب مكاناً كهذا وذبح دجاجته، ثم رأى الأستاذ تلميذاً رجع بالدجاجة وهي حية، فقال له: لمَ لم تذبح دجاجتك؟ قال له: يا أستاذ! أنت اشترطت علينا أن نذبح الدجاجة في مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبت فيه إلا وعلمت أن الله يراني، فأين أذهب إذاً؟ إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015