مقارنة بين المنهج التربوي الإسلامي وغيره من المناهج الأرضية

التوازن والاعتدال خاصية بارزة في المنهج التربوي الإسلامي، لا يستطيع على الإطلاق -يا أحبابي- منهج تربوي أرضي أن يضع منهجاً متوازناً معتدلاً أبداً يجمع بين الروح والمبدأ، وبين الثبات والتغير، وبين الفردية والجماعية، وبين النظرة إلى الواقع والنظرة إلى الغير، لا يمكن على الإطلاق أن يقدم منهجٌ تربويٌ أرضيٌ هذا التوازن والاعتدال بين كل هذه الخصائص والصفات والأركان أبداً، فإن قدم المنهج الأرضي جانباً فرط في جانب آخر، وإن اهتم بجانب نسي جوانب أخرى.

فنرى -مثلاً- جانباً من هذه المناهج الأرضية يهتم بالروح فقط، فيغذي الروح، ويركز على غذاء الروح، إلى أن يصبح الإنسان كائناً مشلولاً عن كل ما يمت إلى هذه الحياة بصلة.

ونرى جانباً تربوياً آخر من المناهج الأرضية المنحرفة يركز على جانب العقل، فينفخ في العقل، ويشبع العقل، ويضع العقل فوق طاقته وقدرته وإمكانيته ومكانته التي ينبغي أن تكون، إلى أن يصبح الإنسان كائناً مغروراً ينظر إلى هذا الكون كله من خلال هذا العقل القاصر.

ونرى منهجاً أرضياً منحرفاً يركز على جانب البدن فقط، فيغذي البدن، ويعطي البدن ما يشاء من مأكل ومشرب، وملبس وشهوات وجنس إلى غير ذلك، إلى أن يصبح الإنسان بهيمياً لا يعيش إلا من أجل شهواته ونزواته ورغباته، لا يفكر في آخرة ولا يهتم بموت، ولا يفكر في غاية ولا يسعى لهدف، وإنما يعش كالأنعام.

وهذا الحكم ليس من عندي حتى لا أتهم بسوء الأدب والتطرف، وإنما هذا قول الله جل وعلا، حكم الله على هذا الصنف الفارغ الذي لا يعيش إلا لشهواته ونزواته، ولا يعيش إلا لعرشه وكرشه وفرجه، لا يعيش إلا كما تعيش الأنعام، فقال ربنا جل وعلا عن هذا الصنف: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ} [الأعراف:179] حكم الله: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] ، أضل من الأنعام: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] .

وهكذا -أيها الأحباب- إذا قدم المنهج الأرضي علاجاً لجانب قصر في الجوانب الأخرى، رأيت في أمريكا هذا الرجل الأمريكي الذي فجر الذرة، وغاص في أعماق البحار، وانطلق بعيداً بعيداً في أجواء الفضاء، وناطح السحاب بعماراته وفنادقه المذهلة، وحول العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذه التقنية العلمية المذهلة في عالم الاتصالات والمواصلات، ومع هذا وبالرغم من كل هذا ركزوا على العقل تارة، وركزوا على البدن تارة، ونسي هؤلاء جانب الروح والأخلاق، فترى هذا الرجل يعيش كما تعيش البهائم، ترى الدعارة والرذيلة في كل مكان ورب الكعبة، في الشارع، وفي الطيارة، وفي السيارة، وفي المطار، وفي القطار، وفي التلفاز، وفي المجلة، وفي الجريدة، وفي كل مكان تراه يعيش كالبهيمة في هذا الجانب.

وإذا أردتم أن تتعرفوا على هذه الحقيقة فاقرأوا إن شئتم آخر إحصائيات للجريمة بين هذا الشعب الذي وصل إلى ما وصل إليه في الجانب المادي العلمي المذهل؛ لتعلموا يقيناً أن الحياة ليست كلها مادة، ولا يمكن لطائر على الإطلاق أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد، وإنما إن حلق لفترة وإن طالت فحتماً سيسقط منكسرا.

إن الحياة روح ومادة، ودنيا وآخرة، ثم جاء المنهج الإسلامي ليقدم التوازن والاعتدال في أجلى وأجل صورة، توازن بين العقل والروح والجسم، وتوازن بين النظرة إلى الواقع والنظرة إلى الغير، وتوازن بين الدين والدنيا، وتوازن بين رغبات الإنسان وأشواقه وما ينبغي عليه، وتوازن في كل أمور الحياة؛ لأن الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه ويفسده هو الذي وضع له المنهج، وهو الله رب العالمين.

فجاء منهجنا التربوي الإسلامي متوازناً معتدلاً في كل جزئيات وجوانب الحياة بلا استثناء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015