أما عن أصول أهل السنة والجماعة في قضية الإيمان فهي متعلقة بمعنى كلمة الإسلام والإيمان، وخلاصة الكلام في تعريف الدين أنه عبارة عن قول وعمل، قول بالقلب وقول باللسان، وعمل بالقلب وعمل باللسان والجوارح.
والقول بالقلب هو التصديق، وأن يوقن الإنسان بأحقية هذا الذي يؤمن به ويصدقه، وقول اللسان هو النطق بالشهادتين.
أما عمل القلب فهو ما لا يؤدى إلا بالقلب كالنية، الإخلاص، الخوف، الرجاء، المحبة، الإنابة، الإخبات، التوكل، الانقياد، الإقبال على الله، ولوازم هذه الأعمال القلبية.
أما عمل اللسان فهو ما لا يؤدى إلا باللسان من العبادات، كالذكر، وقراءة القرآن، والاستغفار، والتهليل، والحوقلة، والحلف، والنذر وهكذا.
وعمل الجوارح فهو ما لا يؤدى إلا بالجوارح، كالصيام، والصلاة، والركوع، والسجود، والجهاد وغير ذلك، فهذا هو جماع معنى الدين، قول وعمل، قول بالقلب وقول باللسان، وعمل بالقلب وعمل باللسان والجوارح.
أما الكفر فهو على أنواع أربعة مقابلة لأنواع الإيمان التي هي: قول بالقلب وقول باللسان، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، فإذا انتفى التصديق الذي هو قول القلب؛ فسوف يكون هذا هو النوع الأول من الكفر، وهو كفر الجهل والتكذيب؛ لأنه انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق.
النوع الثاني: كفر الجحود، وهو كتم الحق مع العلم بصدقه، هذا نوع آخر من الكفر، فهو يعلم أن هذا حق؛ لكنه يكتمه، وهذا هو كفر الجحود: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14].
النوع الثالث: كفر العناد والاستكبار، فينفي في هذا الكفر عمل القلب والجوارح مع المعرفة للقلب والاعتراف باللسان، فهو يعرف أن هذا حق؛ لكن ينتفي عمل القلب من الانقياد والمحبة، والخوف والرجاء إلى آخر أعمال القلب، فينفي عمل القلب، وينتفي عن صاحبه عمل الجوارح مع وجود المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان أن هذا حق، هذا مثل كفر إبليس وأغلب اليهود لعنهم الله، ومثل كفر من ترك الصلاة عناداً واستكباراً، ويوضع السيف على رقبته ويقال له: إما أن تصلي أو تقتل فيختار القتل، فما من شك أن هذا لا يمكن أن يكون في قلبه تصديق؛ لأن الصلاة فرض من فروض الدين؛ ولأنه إذا وجد التصديق في القلب لوجد العمل، فإذا انتفى مع وجود هذه الحالة يخير بين القتل وبين الصلاة، فيختار القتل على الصلاة، فحصل هذا العناد منه بسبب غياب التصديق في قلبه.
النوع الرابع: كفر النفاق، وفي هذا النوع ينتفي عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة، ففي النفاق تنقاد الجوارح الظاهرة؛ لأن المنافق يظهر شعائر الإسلام، يصلي ويصوم ويزكي ويفعل جميع الأفعال الظاهرة؛ لكن ينتفي عمل قلبه.
إذاً: أنواع الكفر كل منها على حدة يخرج من الملة بالكلية، فإذا انضمت كلها ووجدت في شخص واحد فهي ظلمات بعضها فوق بعض وزيادة في الكفر، كفر الجهل والتكذيب، كفر الجحود، كفر العناد والاستكبار، كفر النفاق.