الكلام في قضايا الكفر والإيمان ينقسم إلى شقين: الأول: يتناول أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة في قضايا الكفر والإيمان، وغالباً ما ينص علماء التوحيد -سواء في القديم أو الحديث- في مؤلفاتهم على قضايا كثيرة ويركزون على قضايا معينة، وبالذات القضايا التي خالف فيها أهل البدع أهل السنة والجماعة، فلذلك تجدهم ينصون في عقائدهم على ما يدحض بدعة المرجئة والخوارج والمعتزلة في قضايا الكفر والإيمان.
أما الشق الثاني: وهو ما يتعلق بقضايا الكفر والإيمان فهو يتعلق إلى حد كبير بالجانب التاريخي؛ فمن المهم جداً أن نلم بتاريخ الاتجاهات التكفيرية لأهل التوحيد أو أهل القبلة؛ لأن هذا له أنواع كثيرة جداً خاصة إذا لاحظنا أن كثيراً من البدع التي عادت من جديد هي عبارة عن تكرار وطبع لما نشأ في القرون البعيدة، وتصدى لها أهل الإسلام وأهل التوحيد بالرد والدحض والتفنيد.
بل ربما يفاجأ الكثير من الناس الذين ساروا وراء هذه الجماعات الخارجية أو المعتزلية إذا علموا أن نفس هذه المعتقدات التي هم عليها هي ما تصدى له علماء أهل السنة والجماعة من قبل، وشددوا النكير على أهلها.
هذا أمر.
أما الأمر الآخر فهو: أننا حينما نناقش ظاهرة التكفير وتاريخ التيار التكفيري في العصر الحديث، فإننا لا ننكر أن لمصر دوراً رائداً في تصدير الخير والفساد إلى العالم الإسلامي شرقه وغربه.
وقد كان شكري مصطفى -إمام الخوارج الجدد- له اتجاه جديد في بعض الأمور، حيث ابتدع تفسيراً لكلمة (أم القرى)، فكان هذا من التفسيرات المحدثة المبتدعة التي اخترعها؛ وذلك أنه فسر (أم القرى) لا بأنها مكة -وهذا الذي عليه عامة المفسرين في القديم والحديث- وإنما قال: إن أم القرى هي أعظم مركز للتأثير الثقافي أو العلمي في محيط العالم الإسلامي، أو العالم ككل، فقال: إن أم القرى فيما سبق مكة، أما أم القرى في هذا الزمان فهي مصر! ونقول: لا يصح أبداً أن تحرف معاني القرآن، فأم القرى هي مكة قطعاً بنص القرآن.
لكن هذا الكلام في حد ذاته يعكس فعلاً الواقع، ومصر كثيراً ما صدرت الخير وأيضاً بجانبه الشر إلى بلاد المسلمين وبالذات في العصور المتقدمة، ولو أردنا الكلام في هذا لطال الكلام جداً، وأول ما نشير إلى ذلك أن كثيراً من الحروب التي وقعت مع أعداء الإسلام كانت مصر تتصدى دائماً لكثير من هذه الحملات على الإسلام وبالذات الحملات الصليبية والفاطمية وغير ذلك، بل مصر لم تقم بتأييد الدعوة الوهابية السلفية في الجزيرة العربية، بل قامت بدور سلبي في تحطيمها، فكان لها أيضاً دور سيئ في قهقرة هذه الدعوة إلى حين.
وجذور هذه البدعة جاءت من مصر كما انتشرت إلى جميع العالم بما في ذلك أفغانستان وحتى أوروبا وأمريكا، وهذه البدع صُدرت من مصر كما صدرت مصر الفنانين والراقصين والخبثاء إلى شرق الأرض وغربها.
أيضاً بدعة التكفير هذه نشأت في مصر وترعرعت، ونحن كما ندرس الجذور التكفيرية ابتداءً من الشيعة أو الخوارج وغيرهم، أيضاً نحتاج إلى الاطلاع على الظروف التي نشأت فيها بدعة التكفير هنا في مصر، فما من شك أن هذا التطرف إنما نشأ كرد فعل لأوضاع معينة، وربما لم ينضبط الذين انفعلوا بهذه الأحداث بالقاعدة القرآنية العظيمة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
فكان يقع أحياناً ظلم، وعوامل أخرى كثيرة أدت إلى رد فعل أن بعض الناس ما استطاعوا أن يعبروا عن شعورهم بالقهر والظلم إلا باختراع أو ترديد صدى صوت الكثير من البدع القديمة كوسيلة للتنفيس عما يرونه من ظلم واضطراب.