سلب الإيمان عن تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، فتارك الصلاة يسلب عنه اسم الإيمان المطلق، وسلب اسم الإسلام عنه محل خلاف.
يقول الإمام ابن القيم في حق تارك الصلاة: سلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)؛ فلا يسمى تارك الصلاة مسلماً ولا مؤمناً وإن كان معه شعبة من شعب الإسلام والإيمان، لكن هل ينفعه ما معه من الإيمان من قول واعتقاد كلمة التوحيد في عدم الخلود في النار؟ وهنا نصل إلى الميزان الذي نزن به مثل هذه الأفعال التي يوصف فاعلها بأنه كفر، لكن نريد أن نعرف: هل الكفر يخرج من الملة أم لا يخرج من الملة؟ هل وصف تارك الصلاة بالكفر هو الكفر الذي يحبط أصل الإيمان بالكلية أم دون ذلك؟ هل ترك الصلاة يحبط كلمة التوحيد؟ هل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ ينفعه إن لم يكن المتروك شرطاً في صحة الإيمان واعتباره، وإن كان المتروك شرطاً في اعتبار الإيمان لم ينفعه؛ لأن شعب الإيمان مترابطة، وبعض شعب الإيمان تكون شرطاً في صحة شعبة أخرى؛ كالوضوء شعبة من شعب الإيمان، والصلاة شعبة من شعب الإيمان، لكن هل تصح شعبة الصلاة بدون شعبة الوضوء والطهارة؟ كلا، فإذا فقدت شعبة الوضوء قبل شعبة الصلاة فإنها تحبط هذه الصلاة، فلا يصح لشخص أن يصلي دون أن يكون متطهراً، فشعبة الصلاة تحبط إذا فقد شرط الطهارة.
كذلك شعبة التوحيد (لا إله إلا الله) شرط في صحة الإيمان واعتباره حتى تنفع قائلها وتنجيه في الآخرة؛ لأن بعض الكفار يعملون أعمالاً صالحة في الدنيا فيوفون جزاءهم هنا في الدنيا فقط، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18].
فالكافر إذا عمل أشياء من الأعمال الحسنة أو الخيرية فإنه يجازى بها في الدنيا فقط أما الآخرة فتكون هباء منثوراً.
فشعبة التوحيد (لا إله إلا الله) هي شرط في انتفاع العبد بجميع شعب الإيمان في اليوم الآخر، ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته، وأنه لا إله إلا هو، من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى النصارى الذين يعيشون في أواسط المسلمين يقولون: نحن نقول: إله واحد، ويموهون بذلك على ضعفاء المسلمين ويشوشون عليهم، واليهود يقولون: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقط ولم يقل معها: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنها لا تنفعه، ويحبط كل ما أتى به من الأعمال الخيرية.
كذلك لا تنفع الصلاة من صلاها عمداً بغير وضوء، فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه وقد لا يكون كذلك.
هذا هو الميزان، وإذا أردت أن تحكم على شيء وصف الشرع فاعله بالكفر، مع وجود بعض شعب الإيمان فيه كالشهادتين مثلاً، فإذا ترك هذا الفعل هل ينفعه في الآخرة؟
صلى الله عليه وسلم ينفعه إذا لم يكن هذا المتروك شرطاً في صحة شعب الإيمان واعتبارها، لكن إذا كان المتروك شرطاً في صحة شعب الإيمان فلا ينفعه ذلك ويكون مستوياً بالكافر الأصلي.
الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى بين أن تارك الصلاة يعد خارجاً من الملة، وأن كفره كفراً أكبر، وهذا البحث إن شاء الله سنذكره بالتفصيل، وعلى أي الأحوال نهمس دائماً في أذن من يترك الصلاة: هل تقبل أن يكون إيمانك وإسلامك وانتسابك إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى هذا النبي وهذا الدين محل خلاف؟! عالم يقول: أنت كافر كفراً أكبر مثل فرعون وأبي لهب والمشركين واليهود والنصارى، وتستحق القتل، وإذا مت لا تكفن ولا تغسل ولا يصلى عليك ولا تدفن مع المسلمين ولا ترث ولا تورث؛ لأنك كافر تماماً مثل أي كافر أصلي، والبعض الآخر من العلماء يقولون: لا، بل هو مسلم عاص فاسق أشد شراً من السارق والزاني والقاتل والمرابي وفاعل هذه الكبائر العظمى، فكل العلماء متفقون على أن تارك الصلاة أشد وزراً من هؤلاء أجمعين، وتطبيقاً لقاعدة الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال: فيبقى النظر في الصلاة: هل هي شرط لصحة الإيمان؟ وهذا هو سر المسألة، والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه، ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: (فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع)، وفي قوله: (إن أول ما ينظر في أعماله الصلاة، فإن جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من أعماله بعد).
فهذا باختصار تطبيق الحافظ ابن القيم لقاعدته الأخيرة، فهو يذهب إلى أن الصلاة شرط في اعتبار باقي الأعمال، واستدل بهذا الحديث: (فإن جازت له الصلاة نظر في سائر أعماله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من أعماله بعد)، فبهذا الحديث استدل بأن الصلاة شرط فيما عداها من الأعمال مثل شعبة الشهادتين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.